إِلَى الظِّهَارِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرَ، وَتَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُعْتَبَرًا بِلَفْظِهِ كَالطَّلَاقِ.
وَنَازَعَهُمُ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّ الْعَوْدَ أَمْرٌ وَرَاءَ مُجَرَّدِ لَفْظِ الظِّهَارِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعَوْدِ إِلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بَيَانٌ لِحُكْمِ مَنْ يُظَاهِرُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا أَتَى فِيهَا بِلَفْظِ الْفِعْلِ مُسْتَقْبَلًا، فَقَالَ: يُظَاهِرُونَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا بَيَانًا لِحُكْمِ ظِهَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ عِنْدَكُمْ نَفْسُ الْعَوْدِ، فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَهُ: ثُمَّ يَعُودُونَ، وَأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْعَوْدِ غَيْرُ الظِّهَارِ عِنْدَكُمْ؟
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَوْدُ مَا ذَكَرْتُمْ، وَكَانَ الْمُضَارِعُ بِمَعْنَى الْمَاضِي، كَانَ تَقْدِيرُهُ: وَالَّذِينَ ظَاهَرُوا مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ عَادُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمَا وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ إِلَّا عَلَى مَنْ تَظَاهَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ، فَمِنْ أَيْنَ تُوجِبُونَهَا عَلَى مَنِ ابْتَدَأَ الظِّهَارَ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ عَائِدٍ؟ فَإِنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ: ظِهَارٌ سَابِقٌ، وَعَوْدٌ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ حُكْمَ الظِّهَارِ الْآنَ بِالْكُلِّيَّةِ، إِلَّا أَنْ تَجْعَلُوا " يُظَاهِرُونَ " لِفُرْقَةٍ، وَيَعُودُونَ لِفُرْقَةٍ، وَلَفْظُ الْمُضَارِعِ نَائِبًا عَنْ لَفْظِ الْمَاضِي، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلنَّظْمِ، وَمُخْرِجٌ عَنِ الْفَصَاحَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أوس بن الصامت، وسلمة بن صخر بِالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا: هَلْ تَظَاهَرَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا عَنِ الْعَوْدِ الَّذِي تَجْعَلُونَهُ شَرْطًا، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَسَأَلَهُمَا عَنْهُ.
قِيلَ: أَمَّا مَنْ يَجْعَلُ الْعَوْدَ نَفْسَ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الظِّهَارِ زَمَنًا، يُمْكِنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ، فَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ نَفْسُ حُجَّتِهِ، وَمَنْ جَعَلَ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ وَالْعَزْمُ، قَالَ: سِيَاقُ الْقِصَّةِ بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْمُتَظَاهِرِينَ كَانَ قَصْدُهُمُ الْوَطْءَ، وَإِنَّمَا أَمْسَكُوا لَهُ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا كَوْنُ الظِّهَارِ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا فَنَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute