حنيفة، وَلَا أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْإِيمَانَ قَالُوا:
لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، كَمَا بَيَّنَهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، بَلْ يُطْلَقُ مَا أَطْلَقَهُ، وَيُقَيَّدُ مَا قَيَّدَهُ فَيُعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ. وَزَادَتِ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِيمَانِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ نَسْخٌ، وَالْقُرْآنُ لَا يُنْسَخُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ، أَوْ خَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ.
قَالَ الْآخَرُونَ: - وَاللَّفْظُ لِلشَّافِعِيِّ - شَرَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ مُؤْمِنَةً، كَمَا شَرَطَ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ، وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ فِي مَوَاضِعَ، فَاسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَى أَنَّ مَا أُطْلِقَ مِنَ الشَّهَادَاتِ عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا شُرِطَ، وَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَفَرَضَ اللَّهُ الصَّدَقَاتِ، فَلَمْ تَجُزْ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَكَذَلِكَ مَا فَرَضَ مِنَ الرِّقَابِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِمُؤْمِنِ، فَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ لِسَانَ الْعَرَبِ يَقْتَضِي حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَحُمِلَ عُرْفُ الشَّرْعِ عَلَى مُقْتَضَى لِسَانِهِمْ.
وَهَاهُنَا أَمْرَانِ
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بَيَانٌ لَا قِيَاسٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اتِّحَادُ الْحُكْمِ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُطْلَقِ إِلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لَمْ يُحْمَلْ إِطْلَاقُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ يُعَيِّنُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ نَذَرَ رَقَبَةً مُطْلَقَةً لَمْ يَجْزِهِ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَأَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَوَاجِبُ الْعِتْقِ، لَا يَتَأَدَّى إِلَّا بِعِتْقِ الْمُسْلِمِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ ( «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِمَنِ اسْتَفْتَى فِي عِتْقِ رَقَبَةٍ مَنْذُورَةٍ ائْتِنِي بِهَا، فَسَأَلَهَا أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ) قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا وَصَفَتِ الْإِيمَانَ، أَمَرَ بِعِتْقِهَا. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute