للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنَّ تَصْدِيقَهَا لَهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] [الْأَنْعَامِ: ١٦٤] فَوَجَبَ أَنَّ إِقْرَارَ الْأَبَوَيْنِ يَصْدُقُ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ، فَيَكُونُ كَسْبًا عَلَى غَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا نَفَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوَلَدَ إِذَا أَكْذَبَتْهُ الْأُمُّ وَالْتَعَنَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ فَقَطْ، فَلَا يَنْتَفِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَهَذَا ضِدُّ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَى الْحَمْلِ حَتَّى تَضَعَ، كَمَا يَقُولُ أحمد وأبو حنيفة، وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ عَلَى الْحَمْلِ وَعَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ، كَمَا قَالَهُ مالك وَالشَّافِعِيُّ، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ.

وَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَا الْحُكْمِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ بِوَجْهٍ مَا، فَإِنَّ الْفِرَاشَ قَدْ زَالَ بِاللِّعَانِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْفِرَاشِ وَدَعْوَى الزَّانِي، فَأَبْطَلَ دَعْوَى الزَّانِي لِلْوَلَدِ، وَحَكَمَ بِهِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ. وَهَاهُنَا صَاحِبُ الْفِرَاشِ قَدْ نَفَى الْوَلَدَ عَنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ لَاعَنَ لِمُجَرَّدِ نَفْيِ الْوَلَدِ مَعَ قِيَامِ الْفِرَاشِ فَقَالَ: لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي؟ .

قِيلَ: فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أحمد.

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخرقي.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَيَنْتَفِيَ عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي البركات ابن تيمية، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَخَالَفْتُمْ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ)

قُلْنَا: مَعَاذَ اللَّهِ، بَلْ وَافَقْنَا أَحْكَامَهُ حَيْثُ وَقَعَ غَيْرُنَا فِي خِلَافِ بَعْضِهَا تَأْوِيلًا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا حَكَمَ بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ حَيْثُ ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ فَرَجَّحَ دَعْوَاهُ بِالْفِرَاشِ وَجَعَلَهُ لَهُ، وَحَكَمَ بِنَفْيِهِ عَنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ حَيْثُ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَطَعَ نَسَبَهُ مِنْهُ، وَقَضَى أَلَّا يُدْعَى

<<  <  ج: ص:  >  >>