جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ( «جَعَلَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» )
وَفِي " السُّنَنِ " أَيْضًا مُرْسَلًا: مِنْ حَدِيثِ مكحول قَالَ: ( «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» )
وَهَذِهِ الْآثَارُ مُوَافِقَةٌ لِمَحْضِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ النَّسَبَ فِي الْأَصْلِ لِلْأَبِ، فَإِذَا انْقَطَعَ مِنْ جِهَتِهِ صَارَ لِلْأُمِّ، كَمَا أَنَّ الْوَلَاءَ فِي الْأَصْلِ لِمُعْتِقِ الْأَبِ، فَإِذَا كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا كَانَ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ. فَلَوْ أَعْتَقَ الْأَبُ بَعْدَ هَذَا انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إِلَيْهِ وَرَجَعَ إِلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إِذَا كَذَّبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ وَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ رَجَعَ النَّسَبُ وَالتَّعْصِيبُ مِنَ الْأُمِّ وَعَصَبَتِهَا إِلَيْهِ. فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَمُوجَبُ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَعَالِمِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمَذْهَبُ إِمَامَيْ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِمَا أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْقُرْآنُ بِأَلْطَفِ إِيمَاءٍ وَأَحْسَنِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ بِوَاسِطَةِ مريم أُمِّهِ، وَهِيَ مِنْ صَمِيمِ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ تَقْرِيرٍ لِهَذَا عِنْدَ ذِكْرِ أَقْضِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْكَامِهِ فِي الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سهل الَّذِي رَوَاهُ مسلم فِي " صَحِيحِهِ " فِي قِصَّةِ اللِّعَانِ وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَرِثَ مِنْهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا؟
قِيلَ: نَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْقَوْلِ بِمُوجَبِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُدْرَجًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ فَإِنَّ تَعْصِيبَ الْأُمِّ لَا يُسْقِطُ مَا فَرَضَ اللَّهَ لَهَا مِنْ وَلَدِهَا فِي كِتَابِهِ، وَغَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ لَهُ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ، فَهِيَ تَأْخُذُ فَرْضَهَا وَلَا بُدَّ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَتْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute