للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والمزني، وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " مَا لَمْ تَنْكِحِي " تَعْلِيلٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ مالك فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ: إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَعُدْ حَقُّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ وَإِنْ طُلِّقَتْ.، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ " مَا لَمْ تَنْكِحِي " لِلتَّوْقِيتِ، أَيْ: حَقُّكُ مِنَ الْحَضَانَةِ مُوَقَّتٌ إِلَى حِينِ نِكَاحِكِ، فَإِذَا نَكَحْتِ انْقَضَى وَقْتُ الْحَضَانَةِ، فَلَا تَعُودُ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِهَا كَمَا لَوِ انْقَضَى وَقْتُهَا بِبُلُوغِ الطِّفْلِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَعُودُ حَقُّهَا إِذَا فَارَقَهَا زَوْجُهَا، كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ المغيرة وابن أبي حازم. قَالُوا: لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِحَقِّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ هُوَ قَرَابَتُهَا الْخَاصَّةُ، وَإِنَّمَا عَارَضَهَا مَانِعُ النِّكَاحِ؛ لِمَا يُوجِبُهُ مِنْ إِضَاعَةِ الطِّفْلِ، وَاشْتِغَالِهَا بِحُقُوقِ الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ عَنْ مَصَالِحِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَغْذِيَتِهِ وَتَرْبِيَتِهِ فِي نِعْمَةِ غَيْرِ أَقَارِبِهِ، وَعَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَّةٌ وَغَضَاضَةٌ، فَإِذَا انْقَطَعَ النِّكَاحُ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ زَالَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي قَائِمٌ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ مَانِعٌ مِنْهَا، كَكُفْرٍ، أَوْ رِقٍّ، أَوْ فِسْقٍ، أَوْ بَدْوٍ، فَإِنَّهُ لَا حَضَانَةَ لَهُ، فَإِنْ زَالَتِ الْمَوَانِعُ، عَادَ حَقُّهُمْ مِنَ الْحَضَانَةِ، فَهَكَذَا النِّكَاحُ وَالْفُرْقَةُ.

وَأَمَّا النِّزَاعُ فِي عَوْدِ الْحَضَانَةِ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، أَوْ بِوَقْفِهِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ - فَمَأْخَذُهُ كَوْنُ الرَّجْعِيَّةِ زَوْجَةً فِي عَامَّةِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَالنَّفَقَةُ، وَيَصِحُّ مِنْهَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ: وَيَحْرُمُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أُخْتَهَا، أَوْ عَمَّتَهَا، أَوْ خَالَتَهَا، أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَهِيَ زَوْجَةٌ، فَمَنْ رَاعَى ذَلِكَ لَمْ تَعُدْ إِلَيْهَا الْحَضَانَةُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، فَتَبِينُ حِينَئِذٍ، وَمَنْ أَعَادَ الْحَضَانَةَ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ، قَالَ: قَدْ عَزَلَهَا عَنْ فِرَاشِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ قَسْمٌ، وَلَا لَهَا بِهِ شُغْلٌ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي سَقَطَتِ الْحَضَانَةُ لِأَجْلِهَا قَدْ زَالَتْ بِالطَّلَاقِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا أُخِذَ الْوَلَدُ مِنَ الْأُمِّ إِذَا تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طُلِّقَتْ، رَجَعَتْ عَلَى حَقِّهَا مِنْ كَفَالَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>