للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ بِنَسِيبٍ مِنَ الطِّفْلِ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ نَسِيبًا لِلطِّفْلِ فَقَطْ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِ أحمد. الثَّانِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أبي حنيفة. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَبَيْنَ الطِّفْلِ إِيلَادٌ، بِأَنْ يَكُونَ جَدًّا لِلطِّفْلِ، وَهَذَا قَوْلُ مالك، وَبَعْضِ أَصْحَابِ أحمد، فَهَذَا تَحْرِيرُ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

فَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ أَسْقَطَ الْحَضَانَةَ بِالتَّزْوِيجِ مُطْلَقًا، فَثَلَاثُ حُجَجٍ: إِحْدَاهَا: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ. الثَّانِيَةُ: اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الصِّدِّيقِ لعمر: هِيَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَمُوَافَقَةُ عمر لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ الْبَتَّةَ، وَقَضَى بِهِ شريح، وَالْقُضَاةُ بَعْدَهُ إِلَى الْيَوْمِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ.

الثَّالِثَةُ: مَا رَوَاهُ عبد الرزاق: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا أبو الزبير، عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَخَطَبَهَا عَمُّ وَلَدِهَا وَرَجُلٌ آخَرُ إِلَى أَبِيهَا، فَأَنْكَحَ الْآخَرَ، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَنْكَحَنِي أَبِي رَجُلًا لَا أُرِيدُهُ، وَتَرَكَ عَمَّ وَلَدِي، فَيُؤْخَذُ مِنِّي وَلَدِي، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاهَا، فَقَالَ: أَنْكَحْتَ فُلَانًا فُلَانَةً؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: " أَنْتَ الَّذِي لَا نِكَاحَ لَكَ، اذْهَبِي فَانْكِحِي عَمَّ وَلَدِكِ» "، فَلَمْ يُنْكِرْ أَخْذَ الْوَلَدِ مِنْهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ، بَلْ أَنْكَحَهَا عَمَّ الْوَلَدِ لِتَبْقَى لَهَا الْحَضَانَةُ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ، وَبَقَائِهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ بِنَسِيبٍ مِنَ الطِّفْلِ. وَاعْتَرَضَ أبو محمد ابن حزم عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيفَةٌ، وَحَدِيثَ أبي سلمة هَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ مَجْهُولٌ. وَهَذَانِ الِاعْتِرَاضَانِ ضَعِيفَانِ، فَقَدْ بَيَّنَّا احْتِجَاجَ الْأَئِمَّةِ بعمرو فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>