وَالْخُرُوجِ، وَلِقَاءِ النَّاسِ، وَالْأُمُّ فِي خِدْرِهَا، مَقْصُورَةٌ فِي بَيْتِهَا، فَالْبِنْتُ عِنْدَهَا أَصْوَنُ وَأَحْفَظُ بِلَا شَكٍّ، وَعَيْنُهَا عَلَيْهَا دَائِمًا بِخِلَافِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ غَائِبٌ عَنِ الْبِنْتِ، أَوْ فِي مَظِنَّةِ ذَلِكَ، فَجَعْلُهَا عِنْدَ أُمِّهَا أَصْوَنُ لَهَا وَأَحْفَظُ.
قَالُوا: وَكُلُّ مَفْسَدَةٍ يَعْرِضُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَعْرِضُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ الْأَبِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَرَكَهَا فِي الْبَيْتِ وَحْدَهَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهَا، وَإِنْ تَرَكَ عِنْدَهَا امْرَأَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا فَالْأُمُّ أَشْفَقُ عَلَيْهَا وَأَصْوَنُ لَهَا مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى تَعَلُّمِ مَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْغَزْلِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْبَيْتِ، وَهَذَا إِنَّمَا تَقُومُ بِهِ النِّسَاءُ لَا الرِّجَالُ، فَهِيَ أَحْوَجُ إِلَى أُمِّهَا لِتُعَلِّمَهَا مَا يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ، وَفِي دَفْعِهَا إِلَى أَبِيهَا تَعْطِيلُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، وَإِسْلَامُهَا إِلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تُعَلِّمُهَا ذَلِكَ، وَتَرْدِيدُهَا بَيْنَ الْأُمِّ وَبَيْنَهُ، وَفِي ذَلِكَ تَمْرِينٌ لَهَا عَلَى الْبُرُوزِ وَالْخُرُوجِ، فَمَصْلَحَةُ الْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَالْأَبِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمِّهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي لَا نَخْتَارُ سِوَاهُ.
قَالَ مَنْ رَجَّحَ الْأَبَ: الرِّجَالُ أَغْيَرُ عَلَى الْبَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، فَلَا تَسْتَوِي غَيْرَةُ الرَّجُلِ عَلَى ابْنَتِهِ وَغَيْرَةُ الْأُمِّ أَبَدًا، وَكَمْ مِنْ أُمٍّ تُسَاعِدُ ابْنَتَهَا عَلَى مَا تَهْوَاهُ، وَيَحْمِلُهَا عَلَى ذَلِكَ ضَعْفُ عَقْلِهَا، وَسُرْعَةُ انْخِدَاعِهَا، وَضَعْفُ دَاعِي الْغَيْرَةِ فِي طَبْعِهَا، بِخِلَافِ الْأَبِ؛ وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَغَيْرِهِ جَعَلَ الشَّارِعُ تَزْوِيجَهَا إِلَى أَبِيهَا دُونَ أُمِّهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ لِأُمِّهَا وِلَايَةً عَلَى بُضْعِهَا الْبَتَّةَ، وَلَا عَلَى مَالِهَا، فَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمِّهَا مَا دَامَتْ مُحْتَاجَةً إِلَى الْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ، فَإِذَا بَلَغَتْ حَدًّا تُشْتَهَى فِيهِ وَتَصْلُحُ لِلرِّجَالِ، فَمِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ مَنْ هُوَ أَغْيَرُ عَلَيْهَا، وَأَحْرَصُ عَلَى مَصْلَحَتِهَا، وَأَصْوَنُ لَهَا مِنَ الْأُمِّ.
قَالُوا: وَنَحْنُ نَرَى فِي طَبِيعَةِ الْأَبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ مِنَ الْغَيْرَةِ، وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ وَفُجُورِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى قَتْلِ ابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَمُوَلِّيَتِهِ إِذَا رَأَى مِنْهَا مَا يُرِيبُهُ لِشِدَّةِ الْغَيْرَةِ، وَنَرَى فِي طَبِيعَةِ النِّسَاءِ مِنَ الِانْحِلَالِ وَالِانْخِدَاعِ ضِدَّ ذَلِكَ، قَالُوا: فَهَذَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute