مُخَالِفَةً لِعُمُومِهِ فَتَكُونُ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ تَخْصِيصِ قَوْلِهِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١] [النِّسَاءِ: ١١] بِالْكَافِرِ وَالرَّقِيقِ وَالْقَاتِلِ، وَتَخْصِيصِ قَوْلِهِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] [النِّسَاءِ: ٢٤] بِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا وَنَظَائِرِهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَخُصَّ الْبَائِنَ بِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ وَلَا تُخْرَجُ وَبِأَنَّهَا تَسْكُنُ مِنْ حَيْثُ يَسْكُنُ زَوْجُهَا، بَلْ إِمَّا أَنْ يَعُمَّهَا وَيَعُمَّ الرَّجْعِيَّةَ وَإِمَّا أَنْ يَخُصَّ الرَّجْعِيَّةَ.
فَإِنْ عَمَّ النَّوْعَيْنِ فَالْحَدِيثُ مُخَصَّصٌ لِعُمُومِهِ، وَإِنْ خَصَّ الرَّجْعِيَّاتِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِلسِّيَاقِ الَّذِي مَنْ تَدَبَّرَهُ وَتَأَمَّلَهُ قَطَعَ بِأَنَّهُ فِي الرَّجْعِيَّاتِ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ قَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهَا، فَالْحَدِيثُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ بَلْ مُوَافِقٌ لَهُ، وَلَوْ ذُكِّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ لَكَانَ أَوَّلَ رَاجِعٍ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ كَمَا يَذْهَلُ عَنِ النَّصِّ يَذْهَلُ عَنْ دِلَالَتِهِ وَسِيَاقِهِ وَمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِمَّا يَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَكَثِيرًا مَا يَذْهَلُ عَنْ دُخُولِ الْوَاقِعَةِ الْمُعَيَّنَةِ تَحْتَ النَّصِّ الْعَامِّ وَانْدِرَاجِهِ تَحْتَهَا، فَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَالتَّفَطُّنُ لَهُ مِنَ الْفَهْمِ الَّذِي يُؤْتِيهِ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَقَدْ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي لَا تُجْهَلُ، وَلَا تَسْتَغْرِقُهَا عِبَارَةٌ، غَيْرَ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالذُّهُولَ عُرْضَةٌ لِلْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا الْفَاضِلُ الْعَالِمُ مَنْ إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ وَرَجَعَ.
فَحَدِيثُ فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَعَ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْبَاقٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا، إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا لِعَامِّهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، بَلْ سَكَتَ عَنْهُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا أُرِيدَ بِهِ وَمُوَافِقًا لِمَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ سِيَاقُهُ وَتَعْلِيلُهُ وَتَنْبِيهُهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَهُوَ إِذَنْ مُوَافِقٌ لَهُ لَا مُخَالِفٌ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي قَطْعًا، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَحْكُمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ يُعَارِضُهُ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا مِنْ قَوْلِ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلَ يَتَبَسَّمُ وَيَقُولُ: أَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِيجَابُ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَأَنْكَرَتْهُ قَبْلَهُ الْفَقِيهَةُ الْفَاضِلَةُ فاطمة وَقَالَتْ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] [الطَّلَاقِ: ١] وَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute