للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسُّكْنَى، أَوْ مِمَّنْ يُوجِبُ السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَالْآيَةُ عَلَى زَعْمِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ شَرَطَ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ كَوْنَهُنَّ حَوَامِلَ، وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَائِنَ الْحَائِلَ لَا نَفَقَةَ لَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ وَلَا يَقُولُ بِهَا.

قِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ، بَلْ مِنِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ، فَلَوْ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ انْتِفَائِهِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا، وَإِنْ كَانَ مِمَنْ يُوجِبُ السُّكْنَى وَحْدَهَا فَيُقَالُ لَهُ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ ضَمِيرٌ وَاحِدٌ يَخُصُّ الْبَائِنَ، بَلْ ضَمَائِرُهَا نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخُصُّ الرَّجْعِيَّةَ قَطْعًا، كَقَوْلِهِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] [الطَّلَاقِ: ٢] وَنَوْعٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِنِ وَأَنْ يَكُونَ لِلرَّجْعِيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ لَهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: ١] وَقَوْلُهُ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] [الطَّلَاقِ: ٦] فَحَمْلُهُ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِتَتَّحِدَ الضَّمَائِرُ وَمُفَسِّرُهَا، فَلَوْ حُمِلَ عَلَى غَيْرِهَا لَزِمَ اخْتِلَافُ الضَّمَائِرِ وَمُفَسِّرِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِ نَفَقَةِ الرَّجْعِيَّةِ بِكَوْنِهَا حَامِلًا؟

قِيلَ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلرَّجْعِيَّةِ الْحَائِلِ، بَلِ الرَّجْعِيَّةُ نَوْعَانِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُمَا فِي كِتَابِهِ: حَائِلٌ: فَلَهَا النَّفَقَةُ بِعَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ إِذْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَزْوَاجِ، أَوْ حَامِلٌ: فَلَهَا النَّفَقَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، فَتَصِيرُ النَّفَقَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ نَفَقَةَ قَرِيبٍ لَا نَفَقَةَ زَوْجٍ، فَيُخَالِفُ حَالُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ حَالَهَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَحْدَهُ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا، فَإِذَا وَضَعَتْ صَارَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطِّفْلِ، وَلَا يَكُونُ حَالُهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا كَذَلِكَ، بِحَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطِّفْلِ، فَإِنَّهُ فِي حَالِ حَمْلِهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، فَإِذَا انْفَصَلَ كَانَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ، وَانْتَقَلَتِ النَّفَقَةُ مِنْ حُكْمٍ إِلَى حُكْمٍ، فَظَهَرَتْ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ وَسِرُّ الِاشْتِرَاطِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ كَلَامِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>