للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْقُنُوتَ هُوَ الدُّعَاءُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً إِلَّا دَعَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ أنس فِي حَدِيثِ أبي جعفر الرازي إِنْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَنَحْنُ لَا نَشُكُّ وَلَا نَرْتَابُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ، وَأَنَّ دُعَاءَهُ اسْتَمَرَّ فِي الْفَجْرِ إِلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ طُرُقَ أَحَادِيثِ أَنَسٍ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَيُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا تَتَنَاقَضُ. وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: «سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ، فَقُلْتُ: كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: وَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: قَنَتَ بَعْدَهُ. قَالَ: كَذَبَ، إِنَّمَا قُلْتُ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا» .

وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ تَفَرَّدَ بِهِ عاصم، وَسَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْ أنس خَالَفُوهُ فَقَالُوا: عاصم ثِقَةٌ جِدًّا، غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَ أَصْحَابَ أنس فِي مَوْضِعِ الْقُنُوتَيْنِ، وَالْحَافِظُ قَدْ يَهِمُ، وَالْجَوَادُ قَدْ يَعْثُرُ، وَحَكَوْا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَعْلِيلَهُ فَقَالَ الأثرم: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ -: أَيَقُولُ أَحَدٌ فِي حَدِيثِ أنس: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ غَيْرَ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا يَقُولُهُ غَيْرُهُ» .

قَالَ أبو عبد الله: خَالَفَهُمْ عاصم كُلَّهُمْ، هشام عَنْ قتادة عَنْ أنس، والتيمي، عَنْ أبي مجلز، عَنْ أنس، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وأيوب عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أنسا وحنظلة السدوسي عَنْ أنس أَرْبَعَةَ وُجُوهٍ.

وَأَمَّا عاصم فَقَالَ: قُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: كَذَبُوا، إِنَّمَا قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا. قِيلَ لَهُ: مَنْ ذَكَرَهُ عَنْ عاصم؟ قَالَ: أبو معاوية وَغَيْرُهُ، قِيلَ لأبي عبد الله: وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ أَلَيْسَ إِنَّمَا هِيَ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ فَقَالَ: بَلَى كُلُّهَا عَنْ خفاف بن إيماء بن رحضة وَأَبِي هُرَيْرَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>