للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْبَعَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا وَقَالَ: إِنْ كَانَ قَدْ قَالَ أَحَدٌ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ، فَهُوَ أَقْوَى.

قَالَ الْمُحَرِّمُونَ: تَحْرِيمُ هَذَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ) فَأَجْرَى الرَّضَاعَةَ مَجْرَى النَّسَبِ وَشَبَّهَهَا بِهِ، فَثَبَتَ تَنْزِيلُ وَلَدِ الرَّضَاعَةِ وَأَبِي الرَّضَاعَةِ مَنْزِلَةَ وَلَدِ النَّسَبِ وَأَبِيهِ، فَمَا ثَبَتَ لِلنَّسَبِ مِنَ التَّحْرِيمِ ثَبَتَ لِلرَّضَاعَةِ، فَإِذَا حَرُمَتِ امْرَأَةُ الْأَبِ وَالِابْنِ وَأُمُّ الْمَرْأَةِ وَابْنَتُهَا مِنَ النَّسَبِ حَرُمْنَ بِالرَّضَاعَةِ. وَإِذَا حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ أُخْتَيِ النَّسَبِ حَرُمَ بَيْنَ أُخْتَيِ الرَّضَاعَةِ، هَذَا تَقْدِيرُ احْتِجَاجِهِمْ عَلَى التَّحْرِيمِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ سَبْعًا بِالنَّسَبِ وَسَبْعًا بِالصِّهْرِ، كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعَةِ لَا يُسَمَّى صِهْرًا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ» ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: ( «مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ) . وَلَمْ يَقُلْ: وَمَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَلَا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ كَمَا ذَكَرَ تَحْرِيمَ الصِّهْرِ، وَلَا ذَكَرَ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ فِي الرَّضَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّسَبِ، وَالصِّهْرُ قَسِيمُ النَّسَبِ وَشَقِيقُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤] [الْفُرْقَانِ: ٥٤] فَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ، وَهُمَا سَبَبَا التَّحْرِيمِ، وَالرَّضَاعُ فَرْعٌ عَلَى النَّسَبِ، وَلَا تُعْقَلُ الْمُصَاهَرَةُ إِلَّا بَيْنَ الْأَنْسَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا حَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأُخْتَيْنِ مِنَ الرَّضَاعِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمَةٌ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ، وَلَا تَرَتَّبَ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ أُخُوَّةِ الرَّضَاعِ حُكْمٌ قَطُّ غَيْرُ تَحْرِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَلَا يَرِثُهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>