الرَّضَاعَةِ، فَإِنَّ هَذَا لَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِرَضَاعَةِ سهلة لَهُ، بَلْ لَوْ أَرْضَعَتْهُ جَارِيَةٌ لَهُ أَوِ امْرَأَةٌ أُخْرَى صَارَتْ سهلة امْرَأَةَ أَبِيهِ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِكَوْنِهِ وَلَدَهَا نَفْسَهَا، وَقَدْ عُلِّلَ بِهَذَا فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ، وَلَفْظُهُ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَرْضِعِيهِ) فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَنِ ادَّعَاهُ فَهُوَ كَاذِبٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَعَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ وأبا قلابة لَمْ يَكُونُوا يُثْبِتُونَ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الزبير وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ فَقَطْ، فَهَؤُلَاءِ إِذَا لَمْ يَجْعَلُوا الْمُرْتَضِعَ مِنْ لَبَنِ الْفَحْلِ وَلَدًا لَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُحَرِّمُوا عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَلَا عَلَى الرِّضِيعِ امْرَأَةَ الْفَحْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَبُو زَوْجِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَلَا ابْنُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَؤُلَاءِ لَمْ يُثْبِتُوا الْبُنُوَّةَ بَيْنَ الْمُرْتَضِعِ وَبَيْنَ الْفَحْلِ فَلَمْ تَثْبُتِ الْمُصَاهَرَةُ؛ لِأَنَّهَا فَرْعُ ثُبُوتِ بُنُوَّةِ الرَّضَاعِ، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَرْعُهَا، وَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَ بُنُوَّةَ الرَّضَاعِ مِنْ جِهَةِ الْفَحْلِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ بِهَذِهِ الْبُنُوَّةِ، فَهَلْ قَالَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى التَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْفَحْلِ: إِنَّ زَوْجَةَ أَبِيهِ وَابْنِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ لَا تَحْرُمُ؟
قِيلَ: الْمَقْصُودُ أَنَّ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ نِزَاعًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي مَأْخَذِهِ، هَلْ هُوَ إِلْغَاءُ لَبَنِ الْفَحْلِ، وَأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ، أَوْ إِلْغَاءُ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ، وَأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِمُصَاهَرَةِ النَّسَبِ؟
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَأْخَذَ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ؛ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ بِالتَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْفَحْلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ بِهِ إِثْبَاتُ الْمُصَاهَرَةِ بِهِ إِلَّا بِالْقِيَاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الْجَامِعِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ ثُبُوتُ حُكْمٍ آخَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute