للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى رَبِّهِ وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُوهُ، وَهَذَا غَيْرُ الْقُنُوتِ الْمُوَقَّتِ بِشَهْرٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ دُعَاءٌ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ، وَدُعَاءٌ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ.

وَأَمَّا تَخْصِيصُ هَذَا بِالْفَجْرِ فَبِحَسَبِ سُؤَالِ السَّائِلِ، فَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ قُنُوتِ الْفَجْرِ فَأَجَابَهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلُ صَلَاةَ الْفَجْرِ دُونَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَيَقْرَأُ فِيهَا بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، وَكَانَ -كَمَا قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ - رُكُوعُهُ وَاعْتِدَالُهُ وَسُجُودُهُ وَقِيَامُهُ مُتَقَارِبًا. وَكَانَ يَظْهَرُ مِنْ تَطْوِيلِهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَا يَظْهَرُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِذَلِكَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو رَبَّهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُمَجِّدُهُ فِي هَذَا الِاعْتِدَالِ، كَمَا تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ، وَهَذَا قُنُوتٌ مِنْهُ لَا رَيْبَ، فَنَحْنُ لَا نَشُكُّ وَلَا نَرْتَابُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.

وَلَمَّا صَارَ الْقُنُوتُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرِ النَّاسِ هُوَ هَذَا الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ ( «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ» ) إِلَى آخِرِهِ، وَسَمِعُوا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ حَمَلُوا الْقُنُوتَ فِي لَفْظِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقُنُوتِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ، وَنَشَأَ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا مُدَاوِمِينَ عَلَيْهِ كُلَّ غَدَاةٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَازَعَهُمْ فِيهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا: لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ فِعْلِهِ الرَّاتِبِ، بَلْ وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ.

وَغَايَةُ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْقُنُوتِ أَنَّهُ عَلَّمَهُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ " وَ " السُّنَنِ " الْأَرْبَعِ عَنْهُ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: ( «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» ) قَالَ الترمذي:

<<  <  ج: ص:  >  >>