للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهِيَ الَّتِي رَوَتْ: «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» وَرَوَتْ حَدِيثَ سهلة، وَأَخَذَتْ بِهِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهَا حَدِيثُ «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» مُخَالِفًا لِحَدِيثِ سهلة، لَمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ وَتَرَكَتْ حَدِيثًا وَاجَهَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَكَرِهَ الرَّجُلَ الَّذِي رَآهُ عِنْدَهَا، وَقَالَتْ: هُوَ أَخِي.

قَالُوا: وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُدْخِلُ عَلَيْهَا الْكَبِيرَ إِذَا أَرْضَعَتْهُ - فِي حَالِ كِبَرِهِ أُخْتٌ مِنْ أَخَوَاتِهَا الرَّضَاعَ الْمُحَرِّمَ، وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ، وَنَقْطَعُ قَطْعًا نَلْقَاهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَكُنْ لِتُبِيحَ سِتْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَيْثُ يَنْتَهِكُهُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ انْتِهَاكُهُ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيُبِيحَ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ الْمُبَرَّأَةِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَقَدْ عَصَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ الْجَنَابَ الْكَرِيمَ، وَالْحِمَى الْمَنِيعَ، وَالشَّرَفَ الرَّفِيعَ أَتَمَّ عِصْمَةٍ، وَصَانَهُ أَعْظَمَ صِيَانَةٍ، وَتَوَلَّى صِيَانَتَهُ وَحِمَايَتَهُ، وَالذَّبَّ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَوَحْيِهِ وَكَلَامِهِ، قَالُوا: فَنَحْنُ نُوقِنُ وَنَقْطَعُ، وَنَبُتُّ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ بِأَنَّ فِعْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يَقَعُ بِهِ مِنَ التَّحْرِيمِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ مَا يَقَعُ بِرَضَاعِ الصَّغِيرِ، وَيَكْفِينَا أُمُّنَا أَفْقَهُ نِسَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ كَانَتْ تُنَاظِرُ فِي ذَلِكَ نِسَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُجِبْنَهَا بِغَيْرِ قَوْلِهِنِّ: مَا أَحَدٌ دَاخِلٌ عَلَيْنَا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَيَكْفِينَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ عَمِّ نَبِيِّنَا، وَأَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى الْإِطْلَاقِ حِينَ كَانَ خَلِيفَةً، وَمَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ أَفْقَهَ مِنْ مالك، إِلَّا أَنَّهُ ضَيَّعَهُ أَصْحَابُهُ، وَمَذْهَبُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ذَكَرَهُ عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ.

وَذَكَرَ مالك عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعِ الْكَبِيرِ، فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ سهلة بنت سهيل فِي قِصَّةِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَقَالَ عبد الرزاق: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عبد الكريم، أَنَّ سالم بن أبي جعد الْمَوْلَى الْأَشْجَعِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَدْ سَقَتْنِي مِنْ لَبَنِهَا وَأَنَا كَبِيرٌ تَدَاوَيْتُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ علي: لَا تَنْكِحْهَا، وَنَهَاهُ عَنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>