وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْءِ فِي الْحَيْضِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الطُّهْرِ، فَمُقَابَلٌ بِقَوْلِ مُنَازِعِيكُمْ.
قَوْلُكُمْ: إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُصَدِّرُونَ كُتُبَهُمْ بِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ، فَيَذْكُرُونَهُ تَفْسِيرًا لِلَفْظٍ، ثُمَّ يُرْدِفُونَهُ بِقَوْلِهِمْ: بِقِيلَ، أَوْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الطُّهْرُ.
قُلْنَا: أَهْلُ اللُّغَةِ يَحْكُونَ أَنَّ لَهُ مُسَمَّيَيْنِ فِي اللُّغَةِ، وَيُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَى هَذَا، وَعَلَى هَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ فِي الْحَيْضِ أَظْهَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِي إِطْلَاقَهُ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فالجوهري: رَجَّحَ الْحَيْضَ. وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَقَدْ رَجَّحَ أَنَّهُ الطُّهْرُ، وَقَالَ أبو عبيد: الْقُرْءُ يَصْلُحُ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بَهْ، عَنْ يونس أَنَّ الْقُرْءَ عِنْدَهُ يَصْلُحُ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْقُرْءُ الْوَقْتُ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ، وَيَصْلُحُ لِلطُّهْرِ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ نُصُوصَ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ؟
قَوْلُكُمْ: إِنَّ مَنْ جَعَلَهُ الطُّهْرَ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَوْقَاتَ الطُّهْرِ الَّتِي يَحْتَوِشُهَا الدَّمُ، وَإِلَّا فَالصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ لَيْسَتَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَعَنْهُ جَوَابَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، بَلْ إِذَا طُلِّقَتِ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ ثُمَّ حَاضَتْ، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالطُّهْرِ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ قُرْءًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ بَعْدَهُ حَيْضٌ، وَكَانَ قُرْءًا كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ حَيْضٌ.
الثَّانِي: إِنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ لَا يُسَمَّى قُرْءًا حَتَّى يَحْتَوِشَهُ دَمَانِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: فَالدَّمُ شَرْطٌ فِي تَسْمِيَتِهِ قُرْءًا، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ الْحَيْضُ، وَهَذَا كَالْكَأْسِ الَّذِي لَا يُقَالُ عَلَى الْإِنَاءِ إِلَّا بِشَرْطِ كَوْنِ الشَّرَابِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ زُجَاجَةٌ أَوْ قَدَحٌ، وَالْمَائِدَةِ الَّتِي لَا تُقَالُ لِلْخِوَانِ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ طَعَامٌ، وَإِلَّا فَهُوَ خِوَانٌ، وَالْكُوزِ الَّذِي لَا يُقَالُ لِمُسَمَّاهُ: إِلَّا إِذَا كَانَ ذَا عُرْوَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ كُوبٌ، وَالْقَلَمِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْقَصَبَةِ كَوْنُهَا مَبْرِيَّةً، وَبِدُونِ الْبَرْيِ، فَهُوَ أُنْبُوبٌ أَوْ قَصَبَةٌ، وَالْخَاتَمِ شَرْطُ إِطْلَاقِهِ أَنْ يَكُونَ ذَا فَصٍّ مِنْهُ أَوْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute