قُرْءًا فِي لِسَانِ الشَّارِعِ، أَوْ فِي اللُّغَةِ، فَكَيْفَ تَسْتَدِلِّونَ عَلَيْنَا بِالْمَذْهَبِ، مَعَ مُنَازَعَةِ غَيْرِكُمْ لَكُمْ فِيهِ مِمَّنْ يَقُولُ: الْأَقْرَاءُ: الْأَطْهَارُ كَمَا تَقَدَّمَ؟ وَلَكِنْ أَوْجِدُونَا فِي لِسَانِ الشَّارِعِ، أَوْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، أَنَّ اللَّحْظَةَ مِنَ الطُّهْرِ تُسَمَّى قُرْءًا كَامِلًا، وَغَايَةُ مَا عِنْدَكُمْ أَنَّ بَعْضَ مَنْ قَالَ: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ، لَا كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: بَقِيَّةُ الْقُرْءِ الْمُطْلَقِ فِيهِ قَرْءٌ، وَكَانَ مَاذَا؟ كَيْفَ وَهَذَا الْجُزْءُ مِنَ الطُّهْرِ بَعْضُ طُهْرٍ بِلَا رَيْبٍ؟ فَإِذَا كَانَ مُسَمَّى الْقُرْءِ فِي الْآيَةِ هُوَ الطُّهْرَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْضَ قُرْءٍ يَقِينًا، أَوْ يَكُونَ الْقَرْءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِبْطَالُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
قَوْلُكُمْ: إِنَّ الْعَرَبَ تُوقِعُ اسْمَ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ، وَبَعْضِ الثَّالِثِ، جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا إِنْ وَقَعَ، فَإِنَّمَا يَقَعُ فِي أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ الَّتِي هِيَ ظَوَاهِرُ فِي مُسَمَّاهَا، وَأَمَّا صِيَغُ الْعَدَدِ الَّتِي هِيَ نُصُوصٌ فِي مُسَمَّاهَا، فَكَلَّا وَلَمَّا، وَلَمْ تَرِدْ صِيغَةُ الْعَدَدِ إِلَّا مَسْبُوقَةً بِمُسَمَّاهَا، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٦] [التَّوْبَةِ: ٣٦] . وَقَوْلِهِ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: ٢٥] [الْكَهْفِ: ٢٥] . وَقَوْلِهِ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦] [الْبَقَرَةِ: ١٩٦] . وَقَوْلِهِ {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: ٧] [الْحَاقَّةِ: ٧] ، وَنَظَائِرِهِ مِمَّا لَا يُرَادُ بِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ دُونَ مُسَمَّاهُ مِنَ الْعَدَدِ. وَقَوْلُهُ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] ، اسْمُ عَدَدٍ لَيْسَ بِصِيغَةِ جَمْعٍ، فَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُهُ بِأَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ، لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْمَ الْعَدَدِ نَصٌّ فِي مُسَمَّاهُ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ الْمُنْفَصِلَ، بِخِلَافِ الِاسْمِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ الْمُنْفَصِلَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الِاسْمِ الظَّاهِرِ التَّوَسُّعُ فِي الِاسْمِ الَّذِي هُوَ نَصٌّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ.
الثَّانِي: أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي اثْنَيْنِ فَقَطْ مَجَازًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَحَقِيقَةً عِنْدَ بَعْضِهِمْ، فَصِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي اثْنَيْنِ، وَبَعْضِ الثَّالِثِ أَوْلَى بِخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute