قِيلَ: لَمْ تَسْكُتْ عَنْهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ، بَلْ بَيَّنَتْهُمَا بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - جَعَلَ عِدَّةَ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، ثُمَّ جَعَلَ عِدَّةَ الْآيِسَةِ وَالَّتِي لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ قُرْءٍ شَهْرًا. وَلِهَذَا أَجْرَى سُبْحَانَهُ عَادَتَهُ الْغَالِبَةَ فِي إِمَائِهِ، أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، وَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ الْحَائِضِ بِحَيْضَةٍ، فَيَكُونُ الشَّهْرُ قَائِمًا مُقَامَ الْحَيْضَةِ، وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أحمد، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَعَنْ أحمد رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَوَجْهُ هَذَا، الْقَوْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أحمد فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لأبي عبد الله: كَيْفَ جَعَلْتَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَكَانَ حَيْضَةٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - فِي الْقُرْآنِ مَكَانَ كُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرًا؟
فَقَالَ أحمد: إِنَّمَا قُلْنَا: ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَجَمَعَ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْقَوَابِلَ، فَأَخْبَرُوا أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ النُّطْفَةَ تَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً، ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا خَرَجَتِ الثَّمَانُونَ، صَارَتْ بَعْدَهَا مُضْغَةً، وَهِيَ لَحْمٌ فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ.
قَالَ ابن القاسم: قَالَ لِي: هَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ النِّسَاءِ. فَأَمَّا شَهْرٌ، فَلَا مَعْنَى فِيهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهَا: تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ حنبل: قَالَ عطاء: إِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ، فَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً. قَالَ حنبل: قَالَ عَمِّي: لِذَلِكَ أَذْهَبُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ الْآيِسَةِ كَذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهَا لَوْ طُلِّقَتْ وَهِيَ آيِسَةٌ، اعْتَدَّتْ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فِي رِوَايَةٍ، فَلَأَنْ تُسْتَبْرَأَ الْأَمَةُ بِهَذَا الْقَدْرِ أَوْلَى.
وَعَنْ أحمد رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرَيْنِ، حَكَاهَا الْقَاضِي عَنْهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute