للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ صَحِيحَةٌ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْأُجْرَةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِلْفِعْلِ وَالْأُجْرَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا أُجْرَةً وَإِنْ حَمَلَ. وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْخَمْرِ: لَا يَجُوزُ إِمْسَاكُهَا، وَتَجِبُ إِرَاقَتُهَا. قَالَ فِي رِوَايَةِ أبي طالب؛ إِذَا أَسْلَمَ وَلَهُ خَمْرٌ أَوْ خَنَازِيرُ، تُصَبُّ الْخَمْرُ، وَتُسَرَّحُ الْخَنَازِيرُ، وَقَدْ حَرُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَهَا فَلَا بَأْسَ. فَقَدْ نَصَّ أحمد، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِمْسَاكُهَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةِ ابن منصور: أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِنِطَارَةِ كَرْمٍ لِنَصْرَانِيٍّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْخَمْرِ، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُبَاعُ لِغَيْرِ الْخَمْرِ، فَقَدْ مُنِعَ مِنْ إِجَارَةِ نَفْسِهِ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَالْمَنْصُورُ عِنْدَهُمُ: الرِّوَايَةُ الْمُخَرَّجَةُ، وَهِيَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً، وَلَا يُقْضَى لَهُ بِهَا، وَهِيَ مَذْهَبُ مالك، وَالشَّافِعِيِّ، وأبي يوسف، ومحمد.

وَهَذَا إِذَا اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِهَا إِلَى بَيْتِهِ لِلشُّرْبِ، أَوْ لِأَكْلِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ مُطْلَقًا، فَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِهَا لِيُرِيقَهَا، أَوْ لِيَنْقُلَ الْمَيْتَةَ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهَا، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَجُوزُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُبَاحٌ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَمْ تَصِحَّ، وَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَخَ الْجِلْدَ وَأَخَذَهُ، رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، هَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مالك. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَأَمَّا مَذْهَبُ أبي حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمَذْهَبُهُ كَالرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّهُ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَيُقْضَى لَهُ بِالْأُجْرَةِ، وَمَأْخَذُهُ فِي ذَلِكَ، أَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ مُطْلَقًا، لَمْ يَكُنِ الْمُسْتَحَقُّ نَفْسَ حَمْلِ الْخَمْرِ، فَذِكْرُهُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ سَوَاءٌ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَهُ، كَخَلٍّ وَزَيْتٍ، وَهَكَذَا قَالَ: فِيمَا لَوْ أَجَّرَهُ دَارَهُ، أَوْ حَانُوتَهُ لِيَتَّخِذَهَا كَنِيسَةً، أَوْ لِيَبِيعَ فِيهَا الْخَمْرَ، قَالَ أبو بكر الرازي: لَا فَرْقَ عِنْدَ أبي حنيفة بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَبِيعَ فِيهَا الْخَمْرَ، أَوْ لَا يَشْتَرِطُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُ فِيهِ الْخَمْرَ: أَنَّ الْإِجَارَةَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فِعْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ فِيهِ الْخَمْرَ، وَلَا يَتَّخِذَ الدَّارَ كَنِيسَةً، وَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ بِالتَّسْلِيمِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ فِعْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>