للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذَلِكَ عَلَى مَا يَحْدُثُ فِي النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا، وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْفِلَاحَةِ وَالزِّرَاعَةِ، وَنَوَاتِيُّ السُّفُنِ لَهُمُ اسْتِدْلَالَاتٌ بِأَحْوَالِهِمَا، وَأَحْوَالِ الْكَوَاكِبِ عَلَى أَسْبَابِ السَّلَامَةِ وَالْعَطَبِ مِنِ اخْتِلَافِ الرِّيَاحِ وَقُوَّتِهَا وَعُصُوفِهَا، لَا تَكَادُ تَخْتَلُّ.

وَالْأَطِبَّاءُ لَهُمُ اسْتِدْلَالَاتٌ بِأَحْوَالِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ عَلَى اخْتِلَافِ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ وَتَهَيُّئِهَا لِقَبُولِ التَّغَيُّرِ، وَاسْتِعْدَادِهَا لِأُمُورٍ غَرِيبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَوَاضِعُو الْمَلَاحِمِ لَهُمْ عِنَايَةٌ شَدِيدَةٌ بِهَذَا، وَأُمُورٌ مُتَوَارَثَةٌ عَنْ قُدَمَاءِ الْمُنَجِّمِينَ، ثُمَّ يَسْتَنْتِجُونَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ قِيَاسَاتٍ وَأَحْكَامًا تُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ وَنَظِيرَهُ. وَسُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ جَارِيَةٌ عَلَى سَنَنٍ اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ، فَحُكْمُ النَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ، وَهَؤُلَاءِ صَرَفُوا قُوَى أَذْهَانِهِمْ إِلَى أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَاعْتِبَارِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا صَرَفَ أَئِمَّةُ الشَّرْعِ قُوَى أَذْهَانِهِمْ إِلَى أَحْكَامِ الْأَمْرِ وَالشَّرْعِ، وَاعْتِبَارِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَمَصْدَرُ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ عَنْ حِكْمَةٍ لَا تَخْتَلُّ وَلَا تَتَعَطَّلُ وَلَا تَنْتَقِضُ، وَمَنْ صَرَفَ قُوَى ذِهْنِهِ وَفِكْرِهِ، وَاسْتَنْفَدَ سَاعَاتِ عُمْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ هَذَا الْعَالَمِ وَعِلْمِهِ، كَانَ لَهُ فِيهِ مِنَ النُّفُوذِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالِاطِّلَاعِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ.

وَيَكْفِي الِاعْتِبَارُ بِفَرْعٍ وَاحِدٍ مِنْ فُرُوعِهِ، وَهُوَ عِبَارَةُ الرُّؤْيَا، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا نَفَذَ فِيهَا، وَكَمُلَ اطِّلَاعُهُ جَاءَ بِالْعَجَائِبِ. وَقَدْ شَاهَدْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْ ذَلِكَ أُمُورًا عَجِيبَةً، يَحْكُمُ فِيهَا الْمُعَبِّرُ بِأَحْكَامٍ مُتَلَازِمَةٍ صَادِقَةٍ سَرِيعَةٍ وَبَطِيئَةٍ، وَيَقُولُ سَامِعُهَا: هَذِهِ عِلْمُ غَيْبٍ.

وَإِنَّمَا هِيَ مَعْرِفَةُ مَا غَابَ عَنْ غَيْرِهِ بِأَسْبَابٍ انْفَرَدَ هُوَ بِعِلْمِهَا، وَخَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِ وَالشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَّمَ مِنْ تَعَاطِي ذَلِكَ مَا مَضَرَّتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَنْفَعَتِهِ، أَوْ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، أَوْ مَا يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يَجُرَّهُ إِلَى الشِّرْكِ، وَحَرَّمَ بَذْلَ الْمَالِ فِي ذَلِكَ، وَحَرَّمَ أَخْذَهُ بِهِ؛ صِيَانَةً لِلْأُمَّةِ عَمَّا يُفْسِدُ عَلَيْهَا الْإِيمَانَ أَوْ يَخْدِشُهُ، بِخِلَافِ عِلْمِ عِبَارَةِ الرُّؤْيَا، فَإِنَّهُ حَقٌّ لَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>