الصَّحَارِي وَالْبَرِيَّةِ دُونَ الْبُنْيَانِ يَعْنِي: أَنَّ الْبُنْيَانَ إِذَا كَانَ فِيهِ الْمَاءُ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ الدُّخُولُ إِلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُ فَضْلِ مَائِهِ لِزَرْعِ غَيْرِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد.
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ سَقْيُهُ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ.
وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ، وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعُمُومِهَا، وَمِمَّا رُوِيَ ( «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ قَيِّمَ أَرْضِهِ بِالْوَهْطِ كَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ سَقَى أَرْضَهُ، وَفَضَلَ لَهُ مِنَ الْمَاءِ فَضْلٌ يُطْلَبُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَقِمْ قِلْدَكَ، ثُمَّ اسْقِ الْأَدْنَى، فَالْأَدْنَى، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» ) .
قَالُوا: وَفِي مَنْعِهِ مِنْ سَقْيِ الزَّرْعِ إِهْلَاكُهُ وَإِفْسَادُهُ، فَحَرُمَ كَالْمَاشِيَةِ. وَقَوْلُكُمْ: لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَلِصَاحِبِهِ حُرْمَةٌ، فَلَا يَجُوزُ التَّسَبُّبُ إِلَى إِهْلَاكِ مَالِهِ، وَمَنْ سَلَّمَ لَكُمْ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِلزَّرْعِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْيَ الْحُرْمَةِ عَنْهُ، فَإِنَّ إِضَاعَةَ الْمَالِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَإِتْلَافَهُ مُحَرَّمٌ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ فِي أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ بِئْرٌ نَابِعَةٌ، أَوْ عَيْنٌ مُسْتَنْبَطَةٌ، فَهَلْ تَكُونُ مَلِكًا لَهُ تَبَعًا لِمِلْكِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ؟ قِيلَ: أَمَّا نَفْسُ الْبِئْرِ وَأَرْضُ الْعَيْنِ فَمَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد، وَوَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute