للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِئْ مَا يَنْسَخُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩] . فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّطَوُّعَ، لَمْ يَخُصُّهُ بِكَوْنِهِ نَافِلَةً لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالنَّافِلَةِ الزِّيَادَةُ، وَمُطْلَقُ الزِّيَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّطَوُّعِ، قَالَ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: ٧٢] [الْأَنْبِيَاءِ: ٧٢] ، أَيْ: زِيَادَةً عَلَى الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ النَّافِلَةُ فِي تَهَجُّدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَةٌ فِي دَرَجَاتِهِ، وَفِي أَجْرِهِ، وَلِهَذَا خَصَّهُ بِهَا، فَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مُبَاحٌ، وَمُكَفِّرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَهُوَ يَعْمَلُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ وَعُلُوِّ الْمَرَاتِبِ، وَغَيْرُهُ يَعْمَلُ فِي التَّكْفِيرِ.

قَالَ مجاهد: إِنَّمَا كَانَ نَافِلَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَكَانَتْ طَاعَتُهُ نَافِلَةً، أَيْ: زِيَادَةً فِي الثَّوَابِ، وَلِغَيْرِهِ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ، قَالَ ابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا يعلى بن أبي عبيد، حَدَّثَنَا الحجاج، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مجاهد قَالَ: مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ، فَهُوَ نَافِلَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ، وَلَيْسَتْ لِلنَّاسِ نَوَافِلُ، إِنَّمَا هِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، وَالنَّاسُ جَمِيعًا يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ لِذُنُوبِهِمْ فِي كَفَّارَتِهَا.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عبد الله، حَدَّثَنَا عمرو، عَنْ سعيد وقبيصة، عَنْ سفيان، عَنْ أبي عثمان، عَنِ الحسن فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩] . قَالَ: (لَا تَكُونُ نَافِلَةُ اللَّيْلِ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

وَذُكِرَ عَنِ الضحاك، قَالَ: نَافِلَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً.

وَذَكَرَ سليم بن حيان، حَدَّثَنَا أَبُو غالب، حَدَّثَنَا أبو أمامة، قَالَ: إِذَا وَضَعْتَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ، قُمْتَ مَغْفُورًا لَكَ، فَإِنْ قُمْتَ تُصَلِّي، كَانَتْ لَكَ فَضِيلَةً وَأَجْرًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أبا أمامة، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَ يُصَلِّي تَكُونُ لَهُ نَافِلَةً؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ نَافِلَةً، وَهُوَ يَسْعَى فِي الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا؟! تَكُونُ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>