للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِيمَانٍ، فَكَذَلِكَ مَنْ أُوتِيَ تَدَبُّرًا، وَفَهْمًا فِي التِّلَاوَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ أُوتِيَ كَثْرَةَ قِرَاءَةٍ وَسُرْعَتَهَا بِلَا تَدَبُّرٍ.

قَالُوا: وَهَذَا هَدْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُرَتِّلُ السُّورَةَ حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا، وَقَامَ بِآيَةٍ حَتَّى الصَّبَاحِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ أَفَضْلُ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» ) . رَوَاهُ الترمذي وَصَحَّحَهُ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، وَذَكَرُوا آثَارًا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ فِي كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ.

وَالصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ التَّرْتِيلِ وَالتَّدَبُّرِ أَجَلُّ وَأَرْفَعُ قَدَرًا، وَثَوَابَ كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا، فَالْأَوَّلُ: كَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَوْهَرَةٍ عَظِيمَةٍ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ نَفِيسَةٌ جِدًّا، وَالثَّانِي: كَمَنْ تَصَدَّقَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ أَعْتَقَ عَدَدًا مِنَ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُمْ رَخِيصَةٌ.

وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ قتادة قَالَ: «سَأَلْتُ أنسا عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (كَانَ يَمُدُّ مَدًّا) »

وَقَالَ شعبة: حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي رَجُلٌ سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ، وَرُبَّمَا قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (لَأَنْ أَقْرَأَ سُورَةً وَاحِدَةً أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ الَّذِي تَفْعَلُ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا وَلَا بُدَّ، فَاقْرَأْ قِرَاءَةً تُسْمِعُ أُذُنَيْكَ، وَيَعِيهَا قَلْبُكَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>