للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالَّذِي أَثْبَتَتْهُ فِعْلُهَا بِسَبَبٍ، كَقُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ، وَفَتْحِهِ، وَزِيَارَتِهِ لِقَوْمٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ إِتْيَانُهُ مَسْجِدَ قُبَاءٍ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ يوسف بن يعقوب، حَدَّثَنَا محمد بن أبي بكر، حَدَّثْنَا سلمة بن رجاء، حَدَّثَتْنَا الشعثاء، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أبي جهل. فَهَذَا إِنْ صَحَّ فَهِيَ صَلَاةُ شُكْرٍ وَقَعَتْ وَقْتَ الضُّحَى، كَشُكْرِ الْفَتْحِ.

وَالَّذِي نَفَتْهُ، هُوَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّاسُ، يُصَلُّونَهَا لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَهِيَ لَمْ تَقُلْ: إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلَا مُخَالِفٌ لِسُنَّتِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ فِعْلُهَا لِغَيْرِ سَبَبٍ.

وَقَدْ أَوْصَى بِهَا وَنَدَبَ إِلَيْهَا، وَحَضَّ عَلَيْهَا، وَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ فِيهِ غُنْيَةً عَنْهَا، وَهِيَ كَالْبَدَلِ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: ٦٢] [الْفُرْقَانِ: ٦٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، والحسن، وقتادة: (عِوَضًا وَخَلَفًا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ صَاحِبِهِ، فَمَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ فِي أَحَدِهِمَا، قَضَاهُ فِي الْآخَرِ)

قَالَ قتادة (فَأَدُّوا لِلَّهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ خَيْرًا فِي هَذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِنَّهُمَا مَطِيَّتَانِ يُقْحِمَانِ النَّاسَ إِلَى آجَالِهِمْ، وَيُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ، وَيَجِيئَانِ بِكُلِّ مَوْعُودٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .

وَقَالَ شقيق: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: فَاتَتْنِي الصَّلَاةُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: (أَدْرِكْ مَا فَاتَكَ مِنْ لَيْلَتِكَ فِي نَهَارِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) .

قَالُوا: وَفِعْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُصَلِّيهَا يَوْمًا، وَيَدَعُهَا عَشَرَةً، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّيهَا، فَإِذَا أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ، صَلَّاهَا، وَكَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ.

وَقَالَ سفيان، عَنْ منصور: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَيْهَا كَالْمَكْتُوبَةِ، وَيُصَلُّونَ وَيَدَعُونَ، قَالُوا: وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «عَنْ أنس، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ ضَخْمًا، فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>