للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِسْمَاعِيلُ: هُوَ الذَّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّوَابِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إِسْحَاقُ فَبَاطِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا، وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ -قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ- يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا هُوَ مُتَلَقًّى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِنَصِّ كِتَابِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ بِكْرَهُ، وَفِي لَفْظٍ: وَحِيدَهُ، وَلَا يَشُكُّ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ هُوَ بِكْرُ أَوْلَادِهِ، وَالَّذِي غَرَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ: اذْبَحِ ابْنَكَ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَكَذِبِهِمْ لِأَنَّهَا تُنَاقِضُ قَوْلَهُ: اذْبَحْ بِكْرَكَ وَوَحِيدَكَ، وَلَكِنَّ الْيَهُودَ حَسَدَتْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الشَّرَفِ وَأَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ، وَأَنْ يَسُوقُوهُ إِلَيْهِمْ وَيَحْتَازُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْعَرَبِ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ فَضْلَهُ لِأَهْلِهِ. وَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَشَّرَ أُمَّ إِسْحَاقَ بِهِ وَبِابْنِهِ يَعْقُوبَ، فَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ: إِنَّهُمْ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ لَمَّا أَتَوْهُ بِالْبُشْرَى: {لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ - وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: ٧٠ - ٧١] [هُودٍ: ٧٠ - ٧١] فَمُحَالٌ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ ثُمَّ يَأْمُرَ بِذَبْحِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ يَعْقُوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي الْبِشَارَةِ، فَتَنَاوُلُ الْبِشَارَةِ لِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَسِيَاقُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لَكَانَ " يَعْقُوبُ " مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>