لِأَنَّ هَذَا مِمَّا انْعَقَدَ سَبَبُ فِعْلِهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يَشْرَعْهُ، كَانَ تَرْكُهُ هُوَ السُّنَّةُ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يُشْرَعَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا بِالْقِيَاسِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلَا لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَلَا لِلطَّوَافِ وَلَا لِلْكُسُوفِ وَلَا لِلِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَغْتَسِلُوا لِذَلِكَ مَعَ فِعْلِهِمْ لِهَذِهِ الْعِبَادَاتِ.
وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " فَقَالَ: بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا: حَدَّثَنَا عبد الله بن يوسف، أَنْبَأَنَا مالك عَنْ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَقَبْلَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» ) وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْبُخَارِيُّ إِثْبَاتَ السُّنَّةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ هَلْ وَرَدَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا شَيْءٌ؟ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِعْلُ السُّنَّةِ إِلَّا بَعْدَهَا، وَلَمْ يَرِدْ قَبْلَهَا شَيْءٌ.
وَهَذَا نَظِيرُ مَا فَعَلَ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا، وَقَالَ أبو المعلى: سَمِعْتُ سعيدا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْعِيدِ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا وَمَعَهُ بلال» ) الْحَدِيثَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute