وَصَلَّيْتُ مَعَ أبي بكر بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ مَسْعُودٍ لِيَسْتَرْجِعَ مِنْ فِعْلِ عثمان أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، بَلِ الْأَوْلَى عَلَى قَوْلٍ، وَإِنَّمَا اسْتَرْجَعَ لِمَا شَاهَدَهُ مِنْ مُدَاوَمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِي السَّفَرِ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وأبا بكر وعمر وعثمان» . يَعْنِي فِي صَدْرِ خِلَافَةِ عثمان، وَإِلَّا فعثمان قَدْ أَتَمَّ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ. وَقَدْ خَرَجَ لِفِعْلِهِ تَأْوِيلَاتٌ
أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا قَدْ حَجُّوا تِلْكَ السَّنَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ، لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَحْرَى بِذَلِكَ فِي حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَالْعَهْدُ بِالصَّلَاةِ قَرِيبٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُرَبِّعْ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
التَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا لِلنَّاسِ، وَالْإِمَامُ حَيْثُ نَزَلَ، فَهُوَ عَمَلُهُ وَمَحَلُّ وِلَايَتِهِ، فَكَأَنَّهُ وَطَنُهُ، وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّ إِمَامَ الْخَلَائِقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَكَانَ هُوَ الْإِمَامَ الْمُطْلَقَ وَلَمْ يُرَبِّعْ.
التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مِنًى كَانَتْ قَدْ بُنِيَتْ وَصَارَتْ قَرْيَةً كَثُرَ فِيهَا الْمَسَاكِنُ فِي عَهْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ كَانَتْ فَضَاءً، وَلِهَذَا قِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute