الْحَدِيثَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ صالح مولى التوأمة، وَقَالَ البيهقي: هَذَا حَدِيثٌ يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ صالح، وَحَدِيثُ عائشة أَصَحُّ مِنْهُ، وصالح مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ، كَانَ مالك يُجَرِّحُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ.
قُلْتُ: وصالح ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: هُوَ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ويحيى: ثِقَةٌ حُجَّةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ مالكا تَرَكَهُ، فَقَالَ: إِنَّ مالكا أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ خَرِفَ، وَالثَّوْرِيُّ إِنَّمَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ خَرِفَ، فَسَمِعَ مِنْهُ، لَكِنَّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرَفَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّهُ خَرِفَ وَكَبِرَ فَسَمِعَ مِنْهُ الثَّوْرِيُّ بَعْدَ الْخَرَفِ، وَسَمَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تَغَيَّرَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَجَعَلَ يَأْتِي بِمَا يُشْبِهُ الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ، فَاخْتَلَطَ حَدِيثُهُ الْأَخِيرُ بِحَدِيثِهِ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ قَدِيمٌ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ، فَلَا يَكُونُ اخْتِلَاطُهُ مُوجِبًا لِرَدِّ مَا حَدَّثَ بِهِ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ. وَقَدْ سَلَكَ الطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، وَحَدِيثِ عائشة مَسْلَكًا آخَرَ، فَقَالَ: صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ مَنْسُوخَةٌ، وَتَرْكُ ذَلِكَ آخِرُ الْفِعْلَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ إِنْكَارِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ عَلَى عائشة، وَمَا كَانُوا لِيَفْعَلُوهُ إِلَّا لِمَا عَلِمُوا خِلَافَ مَا نَقَلْتُ. وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّحَاوِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ البيهقي وَغَيْرُهُ. قَالَ البيهقي: وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ نَسْخٌ مَا رَوَتْهُ عائشة؛ لِذِكْرِهِ يَوْمَ صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَوْمَ صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلِذِكْرِهِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى عائشة أَمْرَهَا بِإِدْخَالِهِ الْمَسْجِدَ؛ وَلِذِكْرِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ حِينَ رَوَتْ فِيهِ الْخَبَرَ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْجَوَازِ. فَلَمَّا رَوَتْ فِيهِ الْخَبَرَ سَكَتُوا وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَلَا عَارَضُوهُ بِغَيْرِهِ.
قَالَ الخطابي: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute