للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ، وَتَنْعَمُ بِقُرْبِهِ، وَالرِّضَى عَنْهُ، وَأَلْطَافُ مَحْبُوبِهِ وَهَدَايَاهُ، وَتُحَفُهُ تَصِلُ إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ، وَمَحْبُوبُهُ حَفِيٌّ بِهِ، مُعْتَنٍ بِأَمْرِهِ، مُكْرِمٌ لَهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ مَعَ الْمَحَبَّةِ التَّامَّةِ لَهُ، أَفَلَيْسَ فِي هَذَا أَعْظَمُ غِذَاءً لِهَذَا الْمُحِبِّ؟ فَكَيْفَ بِالْحَبِيبِ الَّذِي لَا شَيْءَ أَجَلُّ مِنْهُ، وَلَا أَعْظَمُ وَلَا أَجْمَلُ وَلَا أَكْمَلُ، وَلَا أَعْظَمُ إِحْسَانًا إِذَا امْتَلَأَ قَلْبُ الْمُحِبِّ بِحُبِّهِ، وَمَلَكَ حُبُّهُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، وَتَمَكَّنَ حُبُّهُ مِنْهُ أَعْظَمَ تَمَكُّنٍ، وَهَذَا حَالُهُ مَعَ حَبِيبِهِ، أَفَلَيْسَ هَذَا الْمُحِبُّ عِنْدَ حَبِيبِهِ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا؟ وَلِهَذَا قَالَ: ( «إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» ) .

وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ طَعَامًا وَشَرَابًا لِلْفَمِ لَمَا كَانَ صَائِمًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُوَاصِلًا، وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا، وَلَقَالَ لِأَصْحَابِهِ - إِذْ قَالُوا لَهُ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ -: " لَسْتُ أُوَاصِلُ ". وَلَمْ يَقُلْ: " لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ "، بَلْ أَقَرَّهُمْ عَلَى نِسْبَةِ الْوِصَالِ إِلَيْهِ، وَقَطَعَ الْإِلْحَاقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا بَيَّنَهُ مِنَ الْفَارِقِ، كَمَا فِي " صَحِيحِ مسلم " مِنْ حَدِيثِ عبد الله بن عمر ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ فِي رَمَضَانَ فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ تُوَاصِلُ. فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» ) .

وَسِيَاقُ الْبُخَارِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوِصَالِ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: (إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» ) . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوِصَالِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوَاصِلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَيُّكُمْ مِثْلِي، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» ) .

وَأَيْضًا: «فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَالِ فَأَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ. كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>