لِذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الْفِطْرِ لِمُجَرَّدِ السَّفَرِ، بَلْ إِبَاحَةُ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ تَنْبِيهٌ عَلَى إِبَاحَتِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّهَا أَحَقُّ بِجِوَازِهِ، لِأَنَّ الْقُوَّةَ هُنَاكَ تَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ، وَالْقُوَّةَ هُنَا لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ الْجِهَادِ أَعْظَمُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ، وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ بِالْفِطْرِ لِلْمُجَاهِدِ أَعْظَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ بِفِطْرِ الْمُسَافِرِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] [الْأَنْفَالِ ٦٠] . وَالْفِطْرُ عِنْدَ اللِّقَاءِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ.
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَسَّرَ الْقُوَّةَ بِالرَّمْيِ. وَهُوَ لَا يَتِمُّ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ إِلَّا بِمَا يُقَوِّي وَيُعِينُ عَلَيْهِ مِنَ الْفِطْرِ وَالْغِذَاءِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلصَّحَابَةِ لَمَّا دَنَوْا مِنْ عَدُوِّهِمْ: ( «إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ» ) . وَكَانَتْ رُخْصَةً ثُمَّ نَزَلُوا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ: ( «إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوَّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا» ) فَكَانَتْ عَزْمَةً [فَأَفْطَرْنَا] ، فَعَلَّلَ بِدُنُوِّهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَاحْتِيَاجِهِمْ إِلَى الْقُوَّةِ الَّتِي يَلْقَوْنَ بِهَا الْعَدُوَّ، وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ غَيْرُ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيلِهِ وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ، فَالتَّعْلِيلُ بِهِ اعْتِبَارًا لِمَا أَلْغَاهُ الشَّارِعُ فِي هَذَا الْفِطْرِ الْخَاصِّ، وَإِلْغَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute