تَقْدِيرِ مَشْرُوعِيَّةِ صِيَامِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، إِنَّهُ يَعْدِلُ مَعَ صِيَامِ رَمَضَانَ السَّنَةَ، ثُمَّ قَرَأَ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] [الْأَنْعَامِ: ١٦٠] ، فَهَذَا صِيَامُ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا تَعْدِلُ صِيَامَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ قَدْ يَجِيءُ مِثْلُ هَذَا فِيمَا يَمْتَنِعُ فِعْلُ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَادَةً، بَلْ يَسْتَحِيلُ، وَإِنَّمَا شَبَّهَ بِهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ إِمْكَانِهِ، كَقَوْلِهِ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ: ( «هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَأَنْ تَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ» ) ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً، كَامْتِنَاعِ صَوْمِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا شَرْعًا، وَقَدْ شَبَّهَ الْعَمَلَ الْفَاضِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا يَزِيدُهُ وُضُوحًا: أَنَّ أَحَبَّ الْقِيَامِ إِلَى اللَّهِ قِيَامُ دَاوُدَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ بِصَرِيحِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ مَثَّلَ ( «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، بِمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ» ) .
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: ( «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ حَتَّى تَكُونَ هَكَذَا وَقَبَضَ كَفَّهُ» ) وَهُوَ فِي " مُسْنَدِ أحمد "؟ .
قِيلَ قَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ. فَقِيلَ: ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ حَصْرًا لَهُ فِيهَا، لِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَحَمْلِهِ عَلَيْهَا، وَرَغْبَتِهِ عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْتِقَادِهِ أَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ، فَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute