وعليا، وعثمان يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى علي ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ» .
فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَهُمْ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَافَقَهُ عثمان عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْهَى عَنْهُ، لَمْ يَقُلْ لَهُ: لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ لَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ قَصَدَ عَلِيٌّ إِلَى مُوَافَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَبَيَانُ أَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يُنْسَخْ، وَأَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا تَقْرِيرًا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ وَمُتَابَعَتِهِ فِي الْقِرَانِ، وَإِظْهَارًا لِسُنَّةٍ نَهَى عَنْهَا عثمان مُتَأَوِّلًا، وَحِينَئِذٍ فَهَذَا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ تَمَامَ الْعِشْرِينَ.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ مَا رَوَاهُ مالك فِي " الْمُوَطَّأِ "، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عروة، عَنْ عائشة أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» ) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَهُوَ أَوْلَى مَنْ بَادَرَ إِلَى مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَنَذْكُرُهَا.
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى إِيجَابِ الْقِرَانِ عَلَى مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَالتَّمَتَّعِ بِالْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ، فَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَمَّا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، فَإِنَّهُ قَرَنَ وَسَاقَ الْهَدْيَ وَأَمَرَ كُلَّ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْفَسْخِ إِلَى عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، فَالْوَاجِبُ أَنْ نَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ أَوْ كَمَا أَمَرَ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute