ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُلَبِّي بِتَلْبِيَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَالنَّاسُ مَعَهُ يَزِيدُونَ فِيهَا وَيَنْقُصُونَ، وَهُوَ يُقِرُّهُمْ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ.
وَلَزِمَ تَلْبِيَتَهُ، «فَلَمَّا كَانُوا بِالرَّوْحَاءِ رَأَى حِمَارَ وَحْشٍ عَقِيرًا، فَقَالَ: (دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ "، فَجَاءَ صَاحِبُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَأْنُكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ» ) .
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْمُحْرِمِ مِنْ صَيْدِ الْحَلَالِ إِذَا لَمْ يَصِدْهُ لِأَجْلِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ صَاحِبِهِ لَمْ يُحْرِمْ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَمُرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَهُوَ كأبي قتادة فِي قِصَّتِهِ. وَتَدُلُّ هَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى لَفْظِ: وَهَبْتُ لَكَ، بَلْ تَصِحُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَتَدُلُّ عَلَى قِسْمَتِهِ اللَّحْمَ مَعَ عِظَامِهِ بِالتَّحَرِّي، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يُمْلَكُ بِالْإِثْبَاتِ، وَإِزَالَةِ امْتِنَاعِهِ، وَأَنَّهُ لِمَنْ أَثْبَتَهُ لَا لِمَنْ أَخَذَهُ، وَعَلَى حِلِّ أَكْلِ لَحْمِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، وَعَلَى التَّوْكِيلِ فِي الْقِسْمَةِ، وَعَلَى كَوْنِ الْقَاسِمِ وَاحِدًا.
فَصْلٌ
ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْأُثَايَةِ بَيْنَ الرُّوَيْثَةِ وَالْعَرْجِ، إِذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْمٌ، فَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ لَا يَرِيبُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى يُجَاوِزُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute