للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ عروة غَلَطٌ، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْغَلَطُ، إِنَّمَا وَقَعَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَأَنْ تَحِلَّ بِعُمْرَةٍ كَمَا فَعَلَ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتْرُكَ الطَّوَافَ، وَتَمْضِيَ عَلَى الْحَجِّ، فَتَوَهَّمُوا بِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَمِرَةً، وَأَنَّهَا تَرَكَتْ عُمْرَتَهَا، وَابْتَدَأَتْ بِالْحَجِّ. قَالَ أبو عمر: وَقَدْ رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهَا كَانَتْ مُهِلَّةً بِعُمْرَةٍ، كَمَا رَوَى عَنْهَا عروة. قَالُوا: وَالْغَلَطُ الَّذِي دَخَلَ عَلَى عروة، إِنَّمَا كَانَ فِي قَوْلِهِ: ( «انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَدَعِي الْعُمْرَةَ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ» ) .

وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: ( «دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ» ) . فَبَيَّنَ حماد أَنَّ عروة لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ عائشة.

قُلْتُ: مِنَ الْعَجَبِ رَدُّ هَذِهِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لَا مَدْفَعَ لَهَا، وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا، وَلَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا الْبَتَّةَ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهَا كَانَتْ مُفْرِدَةً، فَإِنَّ غَايَةَ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ مُفْرِدَةً، قَوْلُهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ. فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ! أَيُظَنُّ بِالْمُتَمَتِّعِ أَنَّهُ خَرَجَ لِغَيْرِ الْحَجِّ، بَلْ خَرَجَ لِلْحَجِّ مُتَمَتِّعًا، كَمَا أَنَّ الْمُغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ إِذَا بَدَأَ فَتَوَضَّأَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ: خَرَجْتُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ وَصَدَقَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إِذْ كَانَتْ لَا تَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ حَتَّى أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ، بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَلَامُهَا يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

وَأَمَّا قَوْلُهَا: لَبَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، فَقَدْ قَالَ جابر عَنْهَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": إِنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُوسٌ عَنْهَا فِي " صَحِيحِ مسلم "، وَكَذَلِكَ قَالَ مجاهد عَنْهَا، فَلَوْ تَعَارَضَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهَا، فَرِوَايَةُ الصَّحَابَةِ عَنْهَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا مِنْ رِوَايَةِ التَّابِعِينَ، كَيْفَ وَلَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ الْبَتَّةَ، فَإِنَّ الْقَائِلَ فَعَلْنَا كَذَا، يَصْدُقُ ذَلِكَ مِنْهُ بِفِعْلِهِ، وَبِفِعْلِ أَصْحَابِهِ.

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>