الأثرم: فَقُلْتُ لَهُ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عروة، عَنْ عائشة بِخِلَافِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: هَذَانِ حَدِيثَانِ مُنْكَرَانِ جِدًّا، قَالَ: ولأبي الأسود فِي هَذَا النَّحْوِ حَدِيثٌ لَا خَفَاءَ بِنُكْرَتِهِ وَوَهْنِهِ وَبُطْلَانِهِ. وَالْعَجَبُ كَيْفَ جَازَ عَلَى مَنْ رَوَاهُ؟ ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ أَنَّ عبد الله مولى أسماء حَدَّثَهُ أَنَّهُ «كَانَ يَسْمَعُ أسماء بنت أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَاهُنَا، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظُهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عائشة والزبير وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ» . قَالَ: وَهَذِهِ وَهْلَةٌ لَا خَفَاءَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ لِوَجْهَيْنِ بَاطِلَيْنِ فِيهِ بِلَا شَكٍّ.
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عائشة، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ فِي أَنَّ عائشة لَمْ تَعْتَمِرْ فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا مَكَّةَ، وَلِذَلِكَ أَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَجِّ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، هَكَذَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ عَنْ عائشة الْأَثْبَاتُ، كَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وعروة، وطاووس ومجاهد.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ فِيهِ: فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ، أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ جابرا، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وعائشة، وَابْنَ عَبَّاسٍ، كُلُّهُمْ رَوَوْا أَنَّ الْإِحْلَالَ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ، وَأَنَّ إِحْلَالَهُمْ بِالْحَجِّ كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَبَيْنَ الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَا شَكٍّ.
قُلْتُ: الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ وَلَا بَاطِلٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أُتِيَ أبو محمد فِيهِ مِنْ فَهْمِهِ، فَإِنَّ أسماء أَخْبَرَتْ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ هِيَ وعائشة، وَهَكَذَا وَقَعَ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا قَوْلُهَا: فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا، فَإِخْبَارٌ مِنْهَا عَنْ نَفْسِهَا، وَعَمَّنْ لَمْ يُصِبْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute