للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ عَمَدَ إِلَى الْبَيْتِ، وَلَمْ يَرْكَعْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّوَافُ، فَلَمَّا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، اسْتَلَمَهُ وَلَمْ يُزَاحِمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَنْهُ إِلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ نَوَيْتُ بِطَوَافِي هَذَا الْأُسْبُوعَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا افْتَتَحَهُ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، بَلْ هُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَاتِ، وَلَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ ثُمَّ انْفَتَلَ عَنْهُ وَجَعَلَهُ عَلَى شِقِّهِ بَلِ اسْتَقْبَلَهُ، وَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَمْ يَدْعُ عِنْدَ الْبَابِ بِدُعَاءٍ وَلَا تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَلَا عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَأَرْكَانِهَا، وَلَا وَقَّتَ لِلطَّوَافِ ذِكْرًا مُعَيَّنًا، لَا بِفِعْلِهِ وَلَا بِتَعْلِيمِهِ بَلْ حُفِظَ عَنْهُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: ٢٠١] وَرَمَلَ فِي طَوَافِهِ هَذَا الثَّلَاثَةَ الْأَشْوَاطَ الْأُوَلَ، وَكَانَ يُسْرِعُ فِي مَشْيِهِ، وَيُقَارِبُ بَيْنَ خُطَاهُ، وَاضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ، فَجَعَلَ طَرَفَيْهِ عَلَى أَحَدِ كَتِفَيْهِ، وَأَبْدَى كَتِفَهُ الْأُخْرَى وَمَنْكِبَهُ، وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، أَشَارَ إِلَيْهِ أَوِ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنِهِ، وَقَبَّلَ الْمِحْجَنَ، وَالْمِحْجَنُ: عَصَا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ. وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ قَبَّلَهُ، وَلَا قَبَّلَ يَدَهُ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يُقَبُّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَيَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ» ) ، وَفِيهِ عبد الله بن مسلم بن هرمز، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: صَالِحُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ.

وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ هَاهُنَا، الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَيُقَالُ لَهُ مَعَ الرُّكْنِ الْآخَرِ الْيَمَانِيَّانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>