للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أم الفضل بنت الحارث الهلالية وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبَهُ أَمَامَ النَّاسِ، وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا أَتَمَّ الْخُطْبَةَ أَمَرَ بلالا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَهَذَا مِنْ وَهْمِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ قِصَّةَ شُرْبِهِ اللَّبَنَ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ هَذَا، حِينَ سَارَ إِلَى عَرَفَةَ، وَوَقَفَ بِهَا هَكَذَا جَاءَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ ميمونة: أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلَابٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. وَفِي لَفْظٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ.

وَمَوْضِعُ خُطْبَتِهِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَوْقِفِ، فَإِنَّهُ خَطَبَ بِعُرَنَةَ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْمَوْقِفِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَزَلَ بِنَمِرَةَ، وَخَطَبَ بِعُرَنَةَ، وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَخَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ تَكُنْ خُطْبَتَيْنِ، جَلَسَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا أَتَمَّهَا أَمَرَ بلالا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، أَسَرَّ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يُصَلِّي جُمُعَةً، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ أَيْضًا، وَمَعَهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ قَصْرًا وَجَمْعًا بِلَا رَيْبٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِتْمَامِ، وَلَا بِتَرْكِ الْجَمْعِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: " «أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» " فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ غَلَطًا بَيِّنًا، وَوَهِمَ وَهْمًا قَبِيحًا، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ بِجَوْفِ مَكَّةَ، حَيْثُ كَانُوا فِي دِيَارِهِمْ مُقِيمِينَ.

وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ وَيَجْمَعُونَ بِعَرَفَةَ، كَمَا فَعَلُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ سَفَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>