وَرَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، «أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى أبي طلحة شَعْرَ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» . قَالَ وَرِوَايَةُ ابن عون، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَرَاهَا تُقَوِّي رِوَايَةَ سفيان وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: يُرِيدُ بِرِوَايَةِ ابن عون، مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَجَعْلَ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ أبو طلحة، هُوَ الشِّقَّ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالَّذِي يَقْوَى أَنَّ نَصِيبَ أبي طلحة الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ كَانَ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّ، ثُمَّ خَصَّ، وَهَذِهِ كَانَتْ سُنَّتَهُ، فِي عَطَائِهِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ، قَالَ لِلْحَلَّاقِ: " «خُذْ " وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، فَقَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَلَّاقِ إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أم سليم» ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا دَفْعُهُ إِلَى أبي طلحة، فَإِنَّهَا امْرَأَتُهُ.
وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «فَبَدَأَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فَوَزَّعَهُ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: بِالْأَيْسَرِ، فَصَنَعَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَاهُنَا أبو طلحة؟ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ» .
وَفِي لَفْظٍ ثَالِثٍ: «دَفَعَ إِلَى أبي طلحة شَعْرَ شِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ وَقَسَمَهَا بَيْنَ النَّاسِ» .
وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ حَدِيثِ محمد بن عبد الله بن زيد، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْمَنْحَرِ، وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ يَقْسِمُ أَضَاحِيَ فَلَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ، وَلَا صَاحِبَهُ فَحَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ، فَأَعْطَاهُ فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ عِنْدَنَا مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ يَعْنِي شَعْرَهُ.
وَدَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ بِالْمَغْفِرَةِ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً، وَحَلَقَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ، وَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] [الْفَتْحِ ٢٧] وَمَعَ قَوْلِ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute