رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «فَرَغْتُمَا "؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ» . هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَجْمَعُونَ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ حَدِيثِ الأسود عَنْهَا الَّذِي فِي " الصَّحِيحِ " أَيْضًا؟ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ نَرَ إِلَّا الْحَجَّ ... فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ( «فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: أَوَمَا كُنْتِ طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: " فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا "، قَالَتْ عائشة: فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا» ) .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا تَلَاقَيَا فِي الطَّرِيقِ، وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ انْتَظَرَهَا فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا جَاءَتْ نَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ. ثُمَّ فِيهِ إِشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ قَوْلُهَا: لَقِيَنِي وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَيَكُونُ قَدْ لَقِيَهَا مُصْعِدًا مِنْهَا رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهِي مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا لِلْعُمْرَةِ، وَهَذَا يُنَافِي انْتِظَارَهُ لَهَا بِالْمُحَصَّبِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ: الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ مُصْعِدَةً مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ مُنْهَبِطٌ؛ لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْ إِلَى الْعُمْرَةِ وَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَتْ، ثُمَّ نَهَضَ إِلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ، فَلَقِيَهَا مُنْصَرِفَةً إِلَى الْمُحَصَّبِ عَنْ مَكَّةَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهَا قَالَتْ: وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُحَصَّبِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، فَكَيْفَ يَقُولُ أبو محمد: إِنَّهُ نَهَضَ إِلَى طَوَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute