الثَّالِثَةُ: أَنَّ السَّبَّ مِنْهُمْ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ فِيهَا أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَإِذَا وَقَعَتْ أَهْوَاؤُهُمْ حَمِدُوا الدَّهْرَ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ. وَفِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، فَرَبُّ الدَّهْرِ تَعَالَى هُوَ الْمُعْطِي الْمَانِعُ، الْخَافِضُ الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ، وَالدَّهْرُ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، فَمَسَبَّتُهُمْ لِلدَّهْرِ مَسَبَّةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِهَذَا كَانَتْ مُؤْذِيَةً لِلرَّبِّ تَعَالَى، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ» ) فَسَابُّ الدَّهْرِ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا. إِمَّا سَبَّهُ لِلَّهِ، أَوِ الشِّرْكُ بِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الدَّهْرَ فَاعِلٌ مَعَ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَسُبُّ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّهُ يَتَعَاظَمُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، فَيَقُولُ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُهُ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ» )
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ( «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ الشَّيْطَانَ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَلْعَنُ مُلْعَنًا» )
وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ: أَخْزَى اللَّهُ الشَّيْطَانَ، وَقَبَّحَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُفْرِحُهُ، وَيَقُولُ عَلِمَ ابْنُ آدَمَ أَنِّي قَدْ نِلْتُهُ بِقُوَّتِي، وَذَلِكَ مِمَّا يُعِينُهُ عَلَى إِغْوَائِهِ، وَلَا يُفِيدُهُ شَيْئًا، فَأَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَسَّهُ شَيْءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَذْكُرَ اسْمَهُ وَيَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَأَغْيَظُ لِلشَّيْطَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute