الْإِقْتَارِ.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ أُصُولَ الْخَيْرِ وَفُرُوعَهُ، فَإِنَّ الْإِنْصَافَ يُوجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءَ حُقُوقِ اللَّهِ كَامِلَةً مُوَفَّرَةً، وَأَدَاءَ حُقُوقِ النَّاسِ كَذَلِكَ، وَأَنْ لَا يُطَالِبَهُمْ بِمَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا يُحَمِّلَهُمْ فَوْقَ وُسْعِهِمْ، وَيُعَامِلَهُمْ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوهُ بِهِ، وَيُعْفِيَهُمْ مِمَّا يُحِبُّ أَنْ يُعْفُوهُ مِنْهُ، وَيَحْكُمَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهَا، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا إِنْصَافُهُ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَدَّعِي لَهَا مَا لَيْسَ لَهَا، وَلَا يُخْبِثُهَا بِتَدْنِيسِهِ لَهَا، وَتَصْغِيرِهِ إِيَّاهَا، وَتَحْقِيرِهَا بِمَعَاصِي اللَّهِ وَيُنَمِّيهَا وَيُكَبِّرُهَا وَيَرْفَعُهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَحُبِّهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَإِيثَارِ مَرْضَاتِهِ وَمَحَابِّهِ عَلَى مَرَاضِي الْخَلْقِ وَمَحَابِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ بِهَا مَعَ الْخَلْقِ وَلَا مَعَ اللَّهِ بَلْ يَعْزِلُهَا مِنَ الْبَيْنِ كَمَا عَزَلَهَا اللَّهُ، وَيَكُونُ بِاللَّهِ لَا بِنَفْسِهِ فِي حُبِّهِ وَبُغْضِهِ وَعَطَائِهِ وَمَنْعِهِ وَكَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ وَمَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ، فَيُنْجِي نَفْسَهُ مِنَ الْبَيْنِ، وَلَا يَرَى لَهَا مَكَانَةً يَعْمَلُ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ مِمَّنْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [الأنعام: ١٣٥] [الْأَنْعَامِ: ١٣٥]
فَالْعَبْدُ الْمَحْضُ لَيْسَ لَهُ مَكَانَةٌ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْمَالِ لِسَيِّدِهِ، وَنَفْسُهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ فَهُوَ عَامِلٌ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى سَيِّدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute