فَلْيَنْظُرِ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ نَفْسِهِ وَشُرَكَائِهِ وَبَيْنَ اللَّهِ لِجَهْلِهِ وَظُلْمِهِ وَإِلَّا لُبِّسَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ ظَلُومًا جَهُولًا، فَكَيْفَ يَطْلُبُ الْإِنْصَافَ مِمَّنْ وَصْفُهُ الظُّلْمُ وَالْجَهْلُ؟ وَكَيْفَ يُنْصِفُ الْخَلْقَ مَنْ لَمْ يُنْصِفِ الْخَالِقَ؟ كَمَا فِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي، خَيْرِي إِلَيْكَ نَازِلٌ وَشَرُّكَ إِلَيَّ صَاعِدٌ، كَمْ أَتَحَبَّبُ إِلَيْكَ بِالنِّعَمِ، وَأَنَا غَنِيٌّ عَنْكَ، وَكَمْ تَتَبَغَّضُ إِلَيَّ بِالْمَعَاصِي وَأَنْتَ فَقِيرٌ إِلَيَّ، وَلَا يَزَالُ الْمَلَكُ الْكَرِيمُ يَعْرُجُ إِلَيَّ مِنْكَ بِعَمَلٍ قَبِيحٍ» .
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: " «ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي، خَلَقْتُكَ وَتَعْبُدُ غَيْرِي، وَأَرْزُقُكَ وَتَشْكُرُ سِوَايَ» ".
ثُمَّ كَيْفَ يُنْصِفُ غَيْرَهُ مَنْ لَمْ يُنْصِفْ نَفْسَهُ وَظَلَمَهَا أَقْبَحَ الظُّلْمِ وَسَعَى فِي ضَرَرِهَا أَعْظَمَ السَّعْيِ، وَمَنَعَهَا أَعْظَمَ لَذَّاتِهَا مِنْ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ يُعْطِيهَا إِيَّاهَا، فَأَتْعَبَهَا كُلَّ التَّعَبِ وَأَشْقَاهَا كُلَّ الشَّقَاءِ مِنْ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ يُرِيحُهَا وَيُسْعِدُهَا، وَجَدَّ كُلَّ الْجِدِّ فِي حِرْمَانِهَا حَظَّهَا مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُنِيلُهَا حُظُوظَهَا، وَدَسَّاهَا كُلَّ التَّدْسِيَةِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُهَا وَيُنَمِّيهَا، وَحَقَّرَهَا كُلَّ التَّحْقِيرِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعَظِّمُهَا، فَكَيْفَ يُرْجَى الْإِنْصَافُ مِمَّنْ هَذَا إِنْصَافُهُ لِنَفْسِهِ؟ إِذَا كَانَ هَذَا فِعْلَ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ فَمَاذَا تَرَاهُ بِالْأَجَانِبِ يَفْعَلُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قَوْلَ عمار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ، وَالْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ، كَلَامٌ جَامِعٌ لِأُصُولِ الْخَيْرِ وَفُرُوعِهِ.
وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ يَتَضَمَّنُ تَوَاضُعَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَتَكَبَّرُ عَلَى أَحَدٍ، بَلْ يَبْذُلُ السَّلَامَ لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، وَمَنْ يَعْرِفْهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ، وَالْمُتَكَبِّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute