وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ ( «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلَا تُشَمِّتْهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ» ) وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ حَدِيثُ أبي داود الَّذِي قَالَ فِيهِ: رَوَاهُ أبو نعيم، عَنْ موسى بن قيس، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سعيد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ بَهْ زُكَامٌ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُدْعَى لَهُ مِمَّنْ لَا عِلَّةَ بِهِ؟ قِيلَ: يُدْعَى لَهُ كَمَا يُدْعَى لِلْمَرِيضِ، وَمَنْ بِهِ دَاءٌ وَوَجَعٌ.
وَأَمَّا سُنَّةُ الْعُطَاسِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى خِفَّةِ الْبَدَنِ، وَخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ، فَإِنَّمَا يَكُونُ إِلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يُدْعَى لِصَاحِبِهِ بِالْعَافِيَةِ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: (الرَّجُلُ مَزْكُومٌ) تَنْبِيهٌ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكْمَةَ عِلَّةٌ، وَفِيهِ اعْتِذَارٌ مِنْ تَرْكِ تَشْمِيتِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ لِيَتَدَارَكَهَا وَلَا يُهْمِلَهَا، فَيَصْعُبُ أَمْرُهَا، فَكَلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَعِلْمٌ وَهُدًى.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْعَاطِسَ إِذَا حَمِدَ اللَّهَ فَسَمِعَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ دُونَ بَعْضٍ، هَلْ يُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ تَشْمِيتُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُشَمِّتُهُ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ سَمَاعَ الْمُشَمِّتِ لِلْحَمْدِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ نَفْسُ حَمْدِهِ، فَمَتَى تَحَقَّقَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّشْمِيتُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشَمِّتُ أَخْرَسَ وَرَأَى حَرَكَةَ شَفَتَيْهِ بِالْحَمْدِ. ( «وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَإِنْ حَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ» ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا تَرَكَ الْحَمْدَ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَهُ أَنْ يُذَكِّرَهُ الْحَمْدَ؟ قَالَ ابن العربي: لَا يُذَكِّرُهُ، قَالَ: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ فَاعِلِهِ. وَقَالَ النووي: أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute