للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَبَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خَرَجُوا إِلَى الْحَبَشَةِ إِسْلَامُ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَقْبَلُوا لَمَّا بَلَغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْ مَكَّةَ بَلَغَهُمْ أَنَّ إِسْلَامَ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ بَاطِلًا، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِجِوَارٍ أَوْ مُسْتَخْفِيًا. فَكَانَ مِمَّنْ قَدِمَ مِنْهُمْ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، فَذَكَرَ مِنْهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ؟ قِيلَ: قَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ قَدْ ثَبَتَ بِمَكَّةَ ثُمَّ أُذِنَ فِيهِ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَانَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَلَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ، فَلَمَّا بَلَغَهُمُ انْتَهَوْا، وَزَيْدٌ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ إِلَى حِينِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ لَكَانَ وَهْمًا مِنْهُ.

ثُمَّ اشْتَدَّ الْبَلَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى مَنْ قَدِمَ مِنْ مُهَاجِرِي الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَطَتْ بِهِمْ عَشَائِرُهُمْ، وَلَقُوا مِنْهُمْ أَذًى شَدِيدًا، فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَكَانَ خُرُوجُهُمُ الثَّانِي أَشَقَّ عَلَيْهِمْ وَأَصْعَبَ، وَلَقُوا مِنْ قُرَيْشٍ تَعْنِيفًا شَدِيدًا وَنَالُوهُمْ بِالْأَذَى، وَصَعُبَ عَلَيْهِمْ مَا بَلَغَهُمْ عَنِ النَّجَاشِيِّ مِنْ حُسْنِ جِوَارِهِ لَهُمْ، وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ خَرَجَ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، إِنْ كَانَ فِيهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَإِنَّهُ يُشَكُّ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَمِنَ النِّسَاءِ تِسْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً.

قُلْتُ: قَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَجَمَاعَةٌ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا وَهْمًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قَدْمَةٌ أُخْرَى قَبْلَ بَدْرٍ فَيَكُونُ لَهُمْ ثَلَاثُ قَدَمَاتٍ: قَدْمَةٌ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْمَةٌ قَبْلَ بَدْرٍ، وَقَدْمَةٌ عَامَ خَيْبَرَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابن سعد وَغَيْرُهُ: إِنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا مُهَاجَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَمِنَ النِّسَاءِ ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِمَكَّةَ، وَحُبِسَ بِمَكَّةَ سَبْعَةٌ، وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>