لَمَّا احْتُبِسَ عَنْهُمْ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي مَنَامِهِ، وَعَلَى هَذَا بَنَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ: نَعَمْ رَآهُ حَقًّا، فَإِنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ وَلَا بُدَّ، وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّهُ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ يَقَظَةً، وَمَنْ حَكَى عَنْهُ ذَلِكَ فَقَدْ وَهِمَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قَالَ مَرَّةً: رَآهُ، وَمَرَّةً قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ، فَحُكِيَتْ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، وَحُكِيَتْ عَنْهُ الثَّالِثَةُ مِنْ تَصَرُّفِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ: أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ، وَهَذِهِ نُصُوصُ أحمد مَوْجُودَةٌ، لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ اسْتِنَادُهُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١] [النِّجْمِ: ١١] ثُمَّ قَالَ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: ١٣] [النَّجْمِ: ١٣] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَنَدُهُ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا الْمَرْئِيَّ جِبْرِيلُ، رَآهُ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ: (رَآهُ بِفُؤَادِهِ) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: ٨] [النَّجْمِ: ٨] فَهُوَ غَيْرُ الدُّنُوِّ وَالتَّدَلِّي فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي (سُورَةِ النَّجْمِ) هُوَ دُنُوُّ جِبْرِيلَ وَتَدَلِّيهِ، كَمَا قَالَتْ عائشة وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: ٥] [النَّجْمِ: ٥] وَهُوَ جِبْرِيلُ: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى - وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى - ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: ٦ - ٨] [النَّجْمِ: ٦ - ٨] فَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى هَذَا الْمُعَلِّمِ الشَّدِيدِ الْقُوَى، وَهُوَ ذُو الْمِرَّةِ، أَيْ: الْقُوَّةُ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَوَى بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَهُوَ الَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَمَّا الدُّنُوُّ وَالتَّدَلِّي الَّذِي فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ دُنُوُّ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَدَلِّيهِ، وَلَا تَعَرُّضَ فِي (سُورَةِ النَّجْمِ) لِذَلِكَ، بَلْ فِيهَا أَنَّهُ رَآهُ نَزْلَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute