فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ رَكِبَ بِأَمْرِ اللَّهِ لَهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَجَمَعَ بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي.
ثُمَّ رَكِبَ فَأَخَذُوا بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ، هَلُمَّ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالسِّلَاحِ وَالْمَنَعَةِ، فَقَالَ: ( «خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» ) فَلَمْ تَزَلْ نَاقَتُهُ سَائِرَةً بِهِ لَا تَمُرُّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا رَغِبُوا إِلَيْهِ فِي النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: ( «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» ) فَسَارَتْ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ الْيَوْمَ وَبَرَكَتْ، وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا حَتَّى نَهَضَتْ وَسَارَتْ قَلِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتَتْ فَرَجَعَتْ فَبَرَكَتْ فِي مَوْضِعِهَا الْأَوَّلِ، فَنَزَلَ عَنْهَا وَذَلِكَ فِي بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَانَ مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ لَهَا فَإِنَّهُ أَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَخْوَالِهِ يُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُكَلِّمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، وَبَادَرَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى رَحْلِهِ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( «الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ» ) ، وَجَاءَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَأَخَذَ بِزِمَامِ رَاحِلَتِهِ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ وَأَصْبَحَ كَمَا قَالَ أبو قيس صرمة الأنصاري، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ يَتَحَفَّظُ مِنْهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجّةً ... يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى حَبِيبًا مُوَاتِيَا
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمَّا أَتَانَا وَاسْتَقَرَّتْ بِهِ النَّوَى ... وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطَيْبَةَ رَاضِيَا
وَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى ظُلَامَةَ ظَالِمٍ ... بَعِيدٍ وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute