وَاشْتَدَّ الْجَنَاحُ، فَأُذِنَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْقِتَالِ، وَلَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: ٣٩] [الْحَجِّ: ٣٩] .
وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ هَذَا الْإِذْنَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَهَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْذَنْ بِمَكَّةَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ، وَلَا كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ يَتَمَكَّنُونَ بِهَا مِنَ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ.
الثَّانِي: أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ فَإِنَّهُ قَالَ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: ٤٠] [الْحَجِّ: ٤٠] وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُهَاجِرُونَ.
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: ١٩] [الْحَجِّ: ١٩] نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ خَاطَبَهُمْ فِي آخِرِهَا بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: ٧٧] وَالْخِطَابُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَدَنِيٌّ، فَأَمَّا الْخِطَابُ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: ٢١] فَمُشْتَرَكٌ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ أَمَرَ فِيهَا بِالْجِهَادِ الَّذِي يَعُمُّ الْجِهَادَ بِالْيَدِ وَغَيْرِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ الْمُطْلَقِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَأَمَّا جِهَادُ الْحُجَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فِي مَكَّةَ بِقَوْلِهِ: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان: ٥٢] أَيْ: بِالْقُرْآنِ {جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: ٥٢] [الْفُرْقَانِ: ٥٢] فَهَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَالْجِهَادُ فِيهَا هُوَ التَّبْلِيغُ، وَجِهَادُ الْحُجَّةِ، وَأَمَّا الْجِهَادُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي (سُورَةِ الْحَجِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِهَادُ بِالسَّيْفِ.
السَّادِسُ: أَنَّ الحاكم رَوَى فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ مسلم البطين، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute