عَظُمَ جُودُهُ وَكَرَمُهُ أَنْ يُحِيطَ بِهِ عِلْمُ الْخَلَائِقِ، فَقَدْ أَعْطَى السِّلْعَةَ، وَأَعْطَى الثَّمَنَ، وَوَفَّقَ لِتَكْمِيلِ الْعَقْدِ، وَقَبِلَ الْمَبِيعَ عَلَى عَيْبِهِ، وَأَعَاضَ عَلَيْهِ أَجَلَّ الْأَثْمَانِ، وَاشْتَرَى عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِمَالِهِ، وَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَدَحَهُ بِهَذَا الْعَقْدِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي وَفَّقَهُ لَهُ وَشَاءَهُ مِنْهُ.
فَحَيَّهَلَا إِنْ كُنْتَ ذَا هِمَّةٍ فَقَدْ ... حَدَا بِكَ حَادِي الشَّوْقِ فَاطْوِ الْمَرَاحِلَا
وَقُلْ لِمُنَادِي حُبِّهِمْ وَرِضَاهُمْ ... إِذَا مَا دَعَا لَبَّيْكَ أَلْفًا كَوَامِلَا
وَلَا تَنْظُرِ الْأَطْلَالَ مِنْ دُونِهِمْ فَإِنْ ... نَظَرْتَ إِلَى الْأَطْلَالِ عُدْنَ حَوَائِلَا
وَلَا تَنْتَظِرْ بِالسَّيْرِ رِفْقَةَ قَاعِدٍ ... وَدَعْهُ فَإِنَّ الشَّوْقَ يَكْفِيكَ حَامِلَا
وَخُذْ مِنْهُمْ زَادًا إِلَيْهِمْ وَسِرْ عَلَى ... طَرِيقِ الْهُدَى وَالْحُبِّ تُصْبِحْ وَاصِلَا
وَأَحْيِ بِذِكْرَاهُمْ شِرَاكَ إِذَا دَنَتْ ... رِكَابُكَ فَالذِّكْرَى تُعِيدُكَ عَامِلَا
وإِمَّا تَخَافَنَّ الْكلَالَ فَقُلْ لَهَا ... أَمَامَكِ وَرْدُ الْوَصْلِ فَابْغِي الْمَنَاهِلَا
وَخُذْ قَبَسًا مَنْ نُورِهِمْ ثُمَّ سِرْ بِهِ ... فَنُورُهُمْ يَهْدِيكَ لَيْسَ الْمَشَاعِلَا
وَحَيِّ عَلَى وَادِي الْأَرَاكِ فَقِلْ بِهِ ... عَسَاكَ تَرَاهُمْ ثَمَّ إِنْ كُنْتَ قَائِلَا
وَإِلَّا فَفِي نَعْمَانَ عِنْدِي مُعَرِّفُ الْـ ... أَحِبَّةِ فَاطْلُبْهُمْ إِذَا كُنْتَ سَائِلَا
وَإِلَّا فَفِي جَمْعٍ بِلَيْلَتِهِ فَإِنْ ... تَفُتْ فَمِنًى يَا وَيْحَ مَنْ كَانَ غَافِلَا
وَحَيِّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا ... مَنَازِلُكَ الْأُولَى بِهَا كُنْتَ نَازِلَا
وَلَكِنْ سَبَاكَ الْكَاشِحُونَ لِأَجْلِ ذَا ... وَقَفْتَ عَلَى الْأَطْلَالِ تَبْكِي الْمَنَازِلَا
وَحَيِّ عَلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ بِجَنَّةِ الْـ ... خُلُودِ فَجُدْ بِالنَّفْسِ إِنْ كُنْتَ بَاذِلَا
فَدَعْهَا رُسُومًا دَارِسَاتٍ فَمَا بِهَا ... مَقِيلٌ وَجَاوِزْهَا فَلَيْسَتْ مَنَازِلَا
رُسُومًا عَفَتْ يَنْتَابُهَا الْخَلْقُ كَمْ بِهَا ... قَتِيلٌ وَكَمْ فِيهَا لِذَا الْخَلْقِ قَاتِلَا
وَخُذْ يَمْنَةً عَنْهَا عَلَى الْمَنْهَجِ الَّذِي ... عَلَيْهِ سَرى وَفْدُ الْأَحِبَّةِ آهِلَا
وَقُلْ سَاعِدِي يَا نَفْسُ بِالصَّبْرِ سَاعَةً ... فَعِنْدَ اللِّقَا ذَا الْكَدُّ يُصْبِحُ زَائِلَا
فَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَةٌ ثُمَّ تَنْقَضِي ... وَيُصْبِحُ ذُو الْأَحْزَانِ فَرْحَانَ جَاذِلَا
لَقَدْ حَرَّكَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ وَإِلَى دَارِ السَّلَامِ النُّفُوسَ الْأَبِيَّةَ، وَالْهِمَمَ الْعَالِيَةَ