للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأحوال أكثر البلاد الإسلامية في العصر الحاضر كما تبدو لهم، ولكن الإسلام في تلك البلاد تغير عن أصله، منذ وقت طويل إذ غطته طبقة من الخرافات غير المعقولة، ودخل فيه تقديس الأولياء والقبور الذي يناقض أصل الدين، واعتوره الجمود وعدم الاكتراث اللذان لا تقرهما تعاليم محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- الأصلية الخالصة كما لا يعرفهما الغربيون الآن. وليس الإسلام هو السبب في انحطاط البلاد الإسلامية بل الحقيقة عكس ذلك تماما، فقد أفسد أهلها أصل الإسلام وهجروه دون أن يستطيعوا الإتيان بخير منه، وهكذا لبسهم الروح الشرقي العتيق. فهو المسؤول عن تدهور الشرق ولا يسأل الإسلام عن ذلك. ولو نفذ الإسلام بتمامه في نظام عملي متبع لأتى بمجتمع إنساني كامل لا احتكاك فيه ولا نقص مما لم يأت به أي نظام اجتماعي آخر. وفي الإمكان تحقيق ذلك من الوجهة العلمية لأن الإسلام يوافق على كل تقدم في المدنية والحضارة، ولأن تعاليمه لا تناقض الحقائق التي دلت عليها العلوم الحديثة.

وهذه الفكرة التي ترمي إلى تكوين دولة إسلامية صحيحة تكون الأولى في نوعها منذ عهد الصحابة، هي الدافع لابن السعود في جميع أعماله، وهو لا يخدم نفسه ولكن يخدم فكرته ولذلك لا ينظر إلى نفسه إلا خلف عمله وهو من هذه الوجهة حاكم عصري يختلف جد الاختلاف عن سلاطين الشرق الذين يعتبرون شعوبهم كلها مجرد خدم لأشخاصهم، ولا شك أن الأجنبي الذي يرى ابن سعود لأول مرة يبتسم لبساطة هذا الملك وعدم تمدنه، إذ يبصره في ثوب عادي في غرفة ذات أثاث غير أنيق، وإذ يشهده يقوم لكل قادم ويمد يده لتحيته، وإن كان بدويا من أفقر البدو، ويأكل طعامه في حضرة وزرائه وكتابه وسائق سياراته ولكن الابتسامة لا تلبث حتى تفارق ثغر الأجنبي حين يدرس رأس هذا الرجل ويدرك العظمة الحقة الماثلة في تلك البساطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>