بدأ ابن سعود عمله في تشديد الأمن العام في بلاده، بواسطة القوانين الصارمة وحملات التأديب القاسية. ومن قبله كانت شبه جزيرة العرب كلها شبكة من اللصوص وكانت قبائل البدو يشن بعضها الغارة على بعض وتنهب القوافل وكانت الطرق غير آمنة، فلما جاء ابن سعود حرم على البدو أن يتقاتلوا وأمر بأن تحل الخلافات بين القبائل بقضائه أو قضاء أمرائه فيها وجعل المجرمين يشعرون بكل ما في الشريعة من شدة، فالقاتل يضرب عنقه والسارق تقطع يده اليمنى، والسارق الذي يستعين بسلاح تقطع يده اليمنى وقدمه اليسرى، وقد أجدى ذلك بعض النفع، غير أن ابن سعود لم يلبث حتى أيقن أن الإكراه وحده لا يكفي ليجعل من الوحوش بشرا، فشرع يبث في نفوس شعبه أخلاق الإسلام وفضائله، وبعث بالمعلمين والوعاظ إلى مختلف القبائل ليعلموا البدو القراءة والكتابة ويحثوهم على التمسك بالدين وآدابه في عزم وإخلاص وكانت ثمرة ذلك صغيرة في السنوات الأولى، ولكنها نمت تدريجا وأينعت وأتت أكلها. وهكذا تمت في بلاد العرب إحدى الغرائب وأصبحت مملكة ابن سعود ومساحتها مثل مساحة ألمانيا وفرانسا وإيطاليا معا، وفيها الأمن العام مستتب بشكل لا يوجد في أية دولة متمدنة من الدول الغربية، والآن يستطيع كل شخص أن يسافر بمفرده في الصحراوات الواسعة وسط بلاد العرب دون أن يحمل سلاحا أصلا وإن كان يحمل الأثقال من الذهب فلا يصيبه ضر أو أذى. وقد كان الناس قبلا لا يقطعون تلك الجهات إلا جماعات مسلحين. وقد هدأت الحروب وامتنعت المعارك بين القبائل التي في مملكة ابن سعود مع أنها كانت من قبل من الحوادث التي تحدث كل يوم ولكنها لم تنقطع في سوريا أو العراق اللذين تحكمهما دول غربية متمدنة.
بيد أن ابن سعود لم يقنع بكل ذلك بل وضع عمله لتحضير البلاد على أساس أكبر، وكان منذ خمس عشرة سنة قد شرع يفكر في