إستيطان البدو إذ اتضح له أن تنقل القبائل من جهة إلى أخرى كل حين يمنع تقدم المدنية بينها ويحول دون ما هو أهم من ذلك عنده وهو تمكين الدين من نفوسها. وعلى ذلك أخذ يبث هذه الفكرة في البدو ولم تكن بلاد العرب تعرفها من قبل. وقد نجح في هذا نجاحا أكبر مما ارتقبه، بدأت القبائل واحدة إثر أخرى تدرك فائدة المعيشة المستقرة في ناحية معلومة، ومنحت أراضي ثابتة الحدود لتسكنها وبنت فيها البيوت وخططت القرى وزرعت النخل، وقد أعانها الملك بكل أنواع العون في دور انتقالها من حياة القرى والرعاة الرحالة إلى حياة الزراع، إذ أعطاها الأموال والغذاء والبذور، ولا يزال يبذل هذا العون للقبائل الأخرى التي تختار الاستقرار. والآن وقد مضت خمس عشرة سنة على هذه الحركة تستطيع أن تقدر على وجه التقريب عدد البدو من أهل نجد الذين استوطنوا الأراضي وتركوا حياة الرحالة بثلث مجموعهم. ولا تزال هذه الحركة سائرة في طريقها في جد وحزم.
ولا شك أن هذا العمل الذي يقوم به ابن سعود سوف تقدر أهميته من وجهة الحضارة وأن التاريخ سوف يفرد لهذا الملك صفحة بين صفحات العظماء الذين خطوا بالإنسانية خطوات إلى الأمام.
وهؤلاء المستقرون الذين كانوا منذ جيل واحد لصوصا لا ضمائر لهم قد شعروا يحسون تدريجا أنهم حاملو علم تقدم عظيم، وقد أثار التعليم الديني الذي أتاهم ابن سعود به عاطفة إطلاق الدين المتغلغلة في نفوس العرب، وأدركوا أن دولة إسلامية في دور النشوء في بلادهم وأن عليهم أن يضعوا لها الأعمدة والأسس، وكذلك أصبحوا أصدق النصراء للإسلام بعد أن كانوا لا يعلمون إلا قشورا منه، وصاروا ينظرون إلى نجد نظرتهم إلى معقل الإسلام، وأنهم لمحقون في ذلك. وقد تركوا اعتبارات العصبية المحدودة وسموا أنفسهم (إخوانا) أي إخوان كل من يسلم قلبه لله دون قيد وشرط، واتخذوا شارتهم العمامة